جورج العاقوري

مروان نجّار: المسرح أشرف من السياسيين اللبنانيين

2 تشرين الثاني 2020

02 : 00

يصف لبنانيون كثر ممارسات أهل السياسة بـ»المسرحيات» وينعتون السياسيين بـ»الممثلين» في إطار الذمّ بهم وإنتقادهم. كما ثمة مصطلحات عدة من عالم المسرح تستخدم في عالم السياسة كـ»سيناريوات»، «فَلَمْنا هل سياسي» أو «منّو أكثر من كومبارس باللعبة السياسية»، ولكن كيف يتلقف أهل المسرح هذه التوصيفات؟

الكاتب المسرحي والتلفزيوني والسينمائي والأستاذ المحاضر مروان نجار، الذي يملك في جعبته أيضاً تجربة صحافية مميزة وعشقاً للأدب واللغة العربية، يرفض بشكل قاطع هذا التشبيه قائلاً: «المسرح أشرف من هؤلاء السياسيين ولا علاقة لهم به. أنزعج حين يقولون عنهم إنهم ممثلون، فالممثل هو الذي يعطيك مثال الأحساس بينما هم يتحايلون. الممثل مشاعر وقيم وهو يمثل شيئاً، أي بعفويته يعكسه ولا يحتال عليه. الممثل لا يكبت أحاسيسه بل يجعلها ترتسم على وجهه. أما السياسيون فلديهم قوالب جاهزة وجمل جاهزة وأدوار جاهزة. التمساح دموعه مرتبطة بالجهاز الهضمي، وهم يذرفون دموع التماسيح بسبب شراهتهم للسلطة». (التماسيح تصدر فعلاً اصوات نحيب لدى التهامها فريستها ولكن لأسباب فيزيولوجية لا علاقة لها بالندم).

الوزراء لا يستحقون اسمهم

«لا يدرك الوزراء عندنا أن كلمة وزير تأتي من الوزر أي الثقل، ثقل المسؤولية التي يجب أن يحملوها عن الشعب لا أن يرموها على الشعب»، يقول نجار، معلناً بأسف أنهم لا يستحقون إسمهم بمعناه الحرفي وموضحاً: «هم ليسوا مسؤولين بل متسلطين بمعنى التسلط لا بمعنى السلطة التي توضع في خدمة الصالح العام. المساءلة جزء أساسي من اللعبة الديموقراطية، أما عندنا فهم لم يصلوا الى مواقعهم بناء على تحمّل المسؤولية و»غربال» المحاسبة بل بناء على المحسوبية».

يتابع نجار: «المسؤولون عندنا هم حكم ومعارضة في نفس الوقت!!! في أهضم منهم؟ آخر أكاذيبهم التي تكشفت، أن عملية التدقيق المالي الجنائي أو ما يعرف بـForensic Audit الذي كلف مجلس الوزراء شركة Alvarez & Marsal في تموز الماضي القيام به لكشف مكامن الفساد والهدر، بدءاً من حسابات مصرف لبنان في محاولة امتصاص النقمة الشعبية، هي عملية متعثّرة. إذ زرع وزير المال الأسبق قبل التوقيع على التدقيق مع الشركة لغماً في النص عبر إضافة عبارة العمل ضمن القوانين اللبنانية السارية، ما جعل قانون النقد والتسليف ومسألة السرّية المصرفية عقبة أمام السير بالتدقيق. رغم أن هناك من حذّر منذ توقيع العقد من هذا الفخ».

يسأل نجار: «منذ متى تنحدر القوانين من السماء لتكبل الإنسان؟!»، ويردف: «القوانين من صنع الإنسان وتتكيف مع ضرورياته وحاجاته. السلطة التشريعية عندنا معطلة، إن يرضى من يضع في سيلته السلطة التشريعية بإجراء تعديلات قانونية تسمح بالتدقيق المالي الجنائي، فالأمر يتطلب حينها جلسة واحدة».


تحول الإنسان الى حيوان إعلامي

«قلة العقل الفردية موجودة اليوم ولكن ليست هي المحرك الأول، فالإنسان تحول الى حيوان إعلامي «ميدياتيكي»، يشدد نجار، لكنه يشير الى «أن هناك شيئاً أعمق وهو أن السياسيين يلهون الإنسان بتفاصيل صغيرة تشبه الفساد الكبير، كما تم الهاؤنا في قضية إنفجار مرفأ بيروت بأسماء بعض الموظفين عوض تسليط الضوء على من يده «سارحة ومارحة» بالمرفأ، لمحاسبته على إدخال هذه المواد بطريقة غير شرعية وبكثير من الدهاء».

يرى نجار أن رجال السياسة عندنا بمعظمهم رجال فولاذ، ويشرح لمقاربة رجل القش ورجل الفولاذ، قائلاً: «رجل القش شو ما صار احرقوه» ورجل الفولاذ مهما إرتكب «فرفور ذنبو مغفور». أنا لست حزبياً ولكن لإيضاح هذه الظاهرة ومن باب المثال لا الحصر، وفي إسقاط لهذه المقاربة على أرض الواقع اللبناني هناك مثل واضح عن ذلك: سمير جعجع رجل قش فهو رجل الحرب الوحيد الذي سجن 11 عاماً، وهو على سبيل المثال يتم إحراقه كل مرة بتهمة «العمالة» لإسرائيل، مع العلم أن بشير الجميل هو من فتح مكتب الإرتباط مع الإسرائيليين واستفاد منه ايلي حبيقة، فيما جعجع أغلقه ولم يزر اسرائيل يوماً. أما ميشال عون فهو رجل الفولاذ، شن حرب تحرير ضد سوريا وأراد «تكسير رأس حافظ الاسد» و»هز المسمار» ثم صعد الى دمشق، وهو شنّ حروباً تحت شعار لا لسلاح الميليشيات ولا «بارودة تعلو فوق بارودة الجيش اللبناني» ثم تحالف مع سلاح غير شرعي، وكل ما صنعه مقبول».

قيام دولة المؤسسات يتطلب سياسيين رجال دولة كما إن قيام حياة ديموقراطية سليمة يتطلب ممثلين عن الشعب لا ممثلين على الشعب. فهل يشمل الاصلاح المرجو سلوك الطبقة السياسية؟.


MISS 3