جورج العاقوري

باسيل يستنجد بحرس "التراراتاتا"؟!

24 تشرين الثاني 2020

02 : 00

باسيل يستنجد بـ"الحرس القديم"

مخطئ من يظن أن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل كان في موقع قوة قبل أن تشمله العقوبات الاميركية. ففائض القوة الذي استمدّه من "العباية" التي ألبسه إياها الجنرال ميشال عون وتربُّع الأخير على كرسي الرئاسة الاولى ومن ورقة "مار مخايل" والذي استثمره الرجل الى أقصى حد، إنقلب عليه داخلياً ومسيحياً ومحلياً وإغترابياً ودولياً.

دولياً، هيكل العلاقات الديبلوماسية الذي بناه باسيل عبر تسخير وزارة الخارجية التي تولاها ومؤتمرات "الطاقة الاغترابية" من أجل نسج علاقات دولية شخصية تعبّد له الطريق نحو قصر بعبدا سقط أكان عربياً وتحديداً خليجياً أو دولياً. كما أن زرعه للمحاسيب داخل الجسم الديبلوماسي من خارج الملاك وفي عواصم القرار من باريس الى واشنطن لم ينفع في ردع العقوبات عنه.

إغترابياً، جهوده لاحتواء أكبر قدر ممكن من شرائح الإغتراب اللبناني، خصوصاً رجال المال والأعمال من بينهم بدأت تتبخر. فجميعنا يعلم أن "رأس المال جبان" ورجال الاعمال اللبنانيين الذين كانوا يدورون في فلك باسيل بحثاً عن لقب قنصل فخري من هنا أو منصب من هناك أو للاستفادة من وجود تياره في رأس السلطة، بدأوا يعيدون حساباتهم خوفاً من إنعكاس علاقاتهم بباسيل على مصالحهم وأعمالهم. كما أنه يرجّح جراء العقوبات على باسيل، أن يتكرّر في الولايات المتحدة ودول أخرى المشهد في الخليج بعد العام 2011 حيث أصبحت صفة "عوني" عبئاً ثقيلاً على اللبنانيين هناك فراحوا يتنصلون من علاقاتهم بـ "التيار".

محلياً، بعدما توهّم باسيل أنه "التيار" الاول عند المسيحيين والثاني عند السنة والثالث عند الشيعة والدروز، عاد الى التقوقع في خطابه واللعب على العصب الطائفي. فعلاقته مع السنة متوترة جداً أكان "تيار المستقبل" ونادي رؤساء الحكومات أو مع "اللقاء التشاوري" حيث العلاقات "على القطعة". الوضع ليس أفضل درزياً، حتى كتلة "ضمانة الجبل" التي تبرع "التيار" بأعضائها لمنح حجم للنائب طلال إرسلان لم تنجح أن تضمن تلازم المسار بين إرسلان و"لبنان القوي" في تسمية رئيس الحكومة. أما شيعياً، فالعلاقة "غرام وانتقام". غرام مصالح مع "حزب الله" و"انتقام" مع جمهور الثنائي - وتحديداً حركة "أمل" - الذي لا تنفع "الفتاوى" في كبح مشاعره المعادية لباسيل.

مسيحياً، تفاهم معراب مع "القوات اللبنانية" حلّ مكانه "قوم بوس تريز". أما مع "المردة" فالعلاقة إنقلبت الى حروب "داحس والغبراء". فيما مع "الكتائب" الجسور مقطوعة وكذلك مع "الاحرار"، والمسيحيون المستقلون الذين إستطاع باسيل إغراءهم في الانتخابات النيابية بالاستفادة من زخم "العهد" وضمهم الى تكتل "لبنان القوي"، أصبح معظمهم في المقلب الآخر وعاد الى قواعده "السياسية" ولو غير سالم.

داخلياً في "التيار"، الأمر لم يعد يقتصر على الهجرة الى خارجه والتي بدأت مع الجنرال عون وتواصلت مع باسيل بل هناك قلق وارتباك وتخبط تظهّرت في أكثر من مفصل وليس آخره "النيران الشقيقة" التي أصابت النائب إبراهيم كنعان أكان في مرحلة التفاوض مع البنك الدولي أو في ملف "السرية المصرفية" من فريق رئيس الجمهورية. فالصمت الداخلي في ظل حضور الجنرال عون شبيه بما عاشته "القوات" و"الكتائب" من جمود أمام هالة الشيخ بيار الجميل قبل العام 1984. "التيار" خسر نخبه الفكرية أمثال د. حبيب شارل مالك، د. كمال يازجي، د. وائل خير والقاضي سليم العازار. كما خسر رموزه كاللواء عصام أبو جمرا.

إختلفت سقوف وظروف الخارجين من "التيار"، فبعضهم ما زال يحيّد عون ويستهدف باسيل فيما البعض الآخر يعتبر أن عون "هو أصل العلة". بعضهم خرج منذ العام 2003 وهي مجموعة من عشرات القياديين من بينهم عبد الله قيصر الخوري وعزوا السبب الى إكتشافهم إزدواجية "الجنرال" الذي كان يدلي بشهادته في الكونغرس الاميركي ضد سوريا وفي الوقت نفسه يفتح قنوات مع نظام الاسد عبر السيد فايز القزي. بعضهم ترك "التيار" بعد توقيع إتفاقية "مار مخايل" وتغطية "سلاح غير شرعي" عام 2006، ومجموعة أخرى في مقدمها مهندس تلك "الاتفاقية" زياد عبس تركت بعد خلافات مع باسيل وكذلك مجموعة من العونيين أمثال نعيم عون الذي قطع عليه باسيل باب الوصول الوراثي. وهناك مجموعة من أمثال المحامي طوني نصرالله التي ناضلت لسنوات ووجدت ان حقها المشروع في الوصول غير متاح ما لم تقدّم الطاعة المطلقة، فبقيت حالة انتظارية لسنوات علّ شيئاً يتغيّر قبل أن تعلن الطلاق.

ومن آخر المجموعات التي تركت "التيار" تلك التي تدور بفلك عديل باسيل العميد شامل روكز ووصل التنافس بينهما الى التسابق بين الرجلين على حرب نشر الصور مع مجموعات الضباط المتقاعدين. أما آخر القياديين الخارجين من كنف "التيار" فهو طوني حداد أحد اركان "العونية" في الولايات المتحدة ومهندس علاقاتها في واشنطن حيث لعب دوراً في القرارات السيادية كالقرار 1559.

اليوم باسيل كمن ضاقت به الأيام، راح "ينبش في دفاتره القديمة"، ويسعى الى دحض مقولات أخصامه بأنه يبدّي من "يبايعونه الولاء" و"العوميين" و"العونيين الجدد" الذين كانوا في المقلب الآخر زمن النضال ضد السوري وبأن قسماً كبيراً من رموز النضال أكان في حقبة الحرب أو زمن الاحتلال السوري أصبح خارج "التيار". وفي هذا الإطار، ظهرت مجموعة "الحرس القديم" منذ نحو ثلاثة أشهر وبدأت تنشط ببركة الجنرال عون ورعاية باسيل.

المجموعة التي تضم عونيين منتسبين الى "التيار" أو لا مسؤوليات تنظيمية لهم أو بطاقات حزبية، وهم من الشباب الذين كانوا من المناضلين على الارض في أواخر الثمانينات وتسعينات القرن الماضي أمثال الوزير السابق غسان عطالله وألكسي ماليشاف وجوزف ريشا والمحامي جان بول ديب، تعرّف عن نفسها في شريط مصور وزّع عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "نحن شعب لبنان العظيم. نحن المناضلون والمناضلات. نحن جيل الحرية والسيادة والاستقلال. نحن العونية. نحن لي بيسمونا "جيل عون". نحن جماعة التراراتاتا جنرال. نحن التيار الوطني الحر. نحن الحرس القديم. حراس الحرية والحقيقة. لا نتعب من خوض غمار النضال والدفاع عن الحق. نحن ابطال 7 آب و14 آذار و13 تشرين. تتلمذنا على يد الجنرال ميشال عون. وعشقنا الوطن الى آخر رمق! نعمل في الظلّ. ما إلنا أسامي ولا مناصب. منتشرين على مساحة الوطن. لخدمة الرئيس ومشروعه".

واللافت أن شعارات كـ"ما بدنا سلاح بلبنان إلا سلاح الجيش اللبناني" (التي كانت موجّهة ضد السلاح غير الشرعي) و"ما بدنا كعك بلبنان الا الكعك اللبناني" (التي كانت موجّهة ضد السوري) غابت، فيما حضرت ممارسات التيار القديمة حيث عمدت الى الرش على الجدران "عالعهد دائماً".

هذه المجموعة التي تؤكد ان ظهورها "عفوي" وليس دفاعاً عن باسيل أو بدفع منه، لا تنكر في المقابل السير من دون تردد خلف "التيار" ورئيسه وترفع شعار" وحدهم الاوفياء بيمشوا مع قائدهم لآخر المشوار" وتؤكد "نحن الحرس القديم نفتخر ونعتز بتاريخنا بقائدنا فخامة الرئيس ميشال عون وبرئيس حزبنا حزب التيار الوطني الحر معالي الوزير جبران باسيل".

يبدو أن باسيل كمن يستنجد بـ"الحرس القديم" لتثبيت مشروعيته داخل "التيار" في ظل ما ينتظره من مواجهات داخلية أو في "الفلك العوني" أو من تنافس على الجمهور نفسه مع الاطار التنظيمي الذي يعمل عليه من خرجوا من "التيار"، رغم تأكيدهم أن مروحة حركتهم غير محصورة بهم بل تشمل وجوهاً من المجتمع المدني وقدامى من أحزاب أخرى. لكن أن يعمد حزب الى خلق جسم رديف داخله هي سابقة في مفهوم الحياة الحزبية وقد تخلق نفوراً بين أبناء الصف الواحد وشعوراً بالدونية عند الحزبيين من غير القدامى. فهل "ينقلب السحر على الساحر" ويؤدي إبتكار "الحرس القديم" الى مزيد من الشرذمة؟!!


MISS 3