جاد حداد

ساعة ذكية لتشخيص النوبة القلبية؟

30 تشرين الثاني 2020

02 : 00

هذه التقنية ليست جاهزة للاستعمال بعد، لكنّ رصد المشاكل القلبية عبر ساعة ذكية قد يصبح واقعاً ملموساً خلال عشر سنوات.

لتشخيص النوبة القلبية، يبحث الأطباء عن نمط مختلف في نشاط القلب عبر استعمال تقنية تخطيط القلب الكهربائي. تكشف دراسة صغيرة الآن أن التسجيلات التي تعطيها الساعة الذكية لمعرفة نتائج ذلك الفحص قد تكون دقيقة بقدر تخطيط القلب الكهربائي التقليدي الذي يحصل في المراكز الطبية.

قد تبدو هذه النتائج الجديدة واعدة، لكن لا يمكن استخدام تلك التقنية على أرض الواقع قبل سنوات. يوضح الدكتور بيتر ليبي، طبيب قلب في مستشفى «بريغهام» للنساء التابع لجامعة «هارفارد»: «يمكن اعتبار هذه الدراسة بمثابة إثبات لمبدأ معيّن لكنها ليست مفيدة من الناحية العيادية».

صعوبة في تسجيل نتائج تخطيط القلب الكهربائي

لإجراء تخطيط كهربائي للقلب عبر ساعة ذكية، لا بد من وضع الجهة الخلفية من الساعة على المعصم وفي ثماني نقاط محددة على الصدر والبطن بحذر. خلال الدراسة الأخيرة، وضع الأطباء (لا المشاركون في البحث) الساعة في تلك المواقع. وفي حالات قليلة أخرى، منعت المشاكل الصحية (بما في ذلك مرض الباركنسون والجلطات الدماغية السابقة) تلقّي أي إشارة واضحة.

على غرار الأجهزة الشائعة الأخرى التي تسجّل تخطيط القلب الكهربائي وتتّصل بالهواتف، قد تبدأ الساعة الذكية عملها بطريقة شائبة إذا لم يتم ضبطها بحذر. وحتى لو نجح الشخص الذي يشتبه بتعرّضه لنوبة قلبية في رصد التسجيلات التسعة التي تَرِد في تخطيط القلب الكهربائي، يجب أن يفسّر الطبيب النتائج دوماً. لهذا السبب، لم تتغير النصيحة التي نقدّمها لعامة الناس حتى الآن: إذا شعرتَ بألم أو انزعاج في الصدر، لا تنشغل بساعتك الذكية بل اتصل برقم الطوارئ!

لإجراء الدراسة، حصل الباحثون على تسجيلات نموذجية لتخطيط القلب الكهربائي وأخرى مسجّلة عبر ساعة ذكية لدى 81 شخصاً أرادوا تلقي الرعاية الصحية اللازمة تحسّباً لنوبة قلبية محتملة في عيادة إيطالية بين نيسان 2019 وكانون الثاني 2020. كان ثلثا المشاركين من الرجال وبلغ متوسط أعمارهم 61 عاماً. للمقارنة بين الطريقتَين، استُعمِل نوعا تخطيط القلب الكهربائي أيضاً مع 19 شخصاً سليماً.

كانت نتائج تخطيط القلب الكهربائي التي أعطتها الساعة الذكية دقيقة في رصد أنواع مختلفة من النوبات القلبية والتمييز بينها بنسبة تتراوح بين 93 و95%. وفي مجموعة الأشخاص الأصحاء، رصدت الساعة الذكية غياب النوبات القلبية بدقة وصلت نسبتها إلى 90%. نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «جاما» لأمراض القلب في 31 آب 2020.

استخدم الباحثون «ساعة آبل الإصدار الرابع» (Apple Watch Series 4) لتسجيل نتائج تخطيط القلب الكهربائي ثم جرى تحميلها على جهاز «آي فون 11 برو» (أحدث نسخة من هذه المنتجات في تلك الفترة). لكن يذكر ليبي أن الابتكارات التي سمحت بتسجيل أول التيارات الكهربائية الضعيفة في القلب تعود إلى العقود الأولى من القرن العشرين. فاز الطبيب الهولندي فيليم أينتهوفن بجائزة نوبل في الطب بعد اختراعه أول نوع عملي من تخطيط القلب الكهربائي في العام 1924.

ابتكارات واعدة راهناً ومستقبلاً

سبق وصادقت «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية على أداة تخطيط القلب الكهربائي المدسوسة داخل ساعة «آبل» لرصد الرجفان الأذيني (تسارع إيقاع القلب واختلال ضرباته بطريقة تزيد مخاطر التعرّض لجلطة دماغية). إذا رصدت ساعتك هذا النوع من عدم انتظام القلب، يستطيع طبيبك أن يستعمل معادلة بسيطة تأخذ بالاعتبار عوامل العمر والجنس ومشاكل صحية أخرى لتقدير خطر إصابتك بجلطة دماغية. وإذا كانت نسبة الخطر لديك مرتفعة بما يكفي لكنك لم تكن معرّضاً للنزيف بدرجة كبيرة، قد يوصيك الطبيب بأخذ أدوية مضادة للتخثر لتخفيض احتمال إصابتك بجلطة دماغية.

لكن لم يتضح بعد ما إذا كان رصد الرجفان الأذيني عبر الساعة الذكية يعني تحسّن النتائج تلقائياً، أي تراجع الجلطات الدماغية المحتملة. كذلك، يشعر الأطباء بالقلق من وفرة التسجيلات التي تشتق من تخطيط القلب الكهربائي ويتلقونها من المرضى القلقين حين ترسل لهم ساعات «آبل» تنبيهات حول احتمال إصابتهم بالرجفان الأذيني.

في ما يخص رصد النوبات القلبية، تترافق الدراسة الجديدة مع افتتاحية مُرفَقة بصورة طبيب قلب يحمل ساعة ذكية لتقييم ألم الصدر في الأماكن العامة (في مطعم أو طائرة مثلاً). لكن تذكر المقالة نفسها أن الفحوصات المنزلية التي تجري تخطيط القلب الكهربائي باتت تلوح في الأفق.

يظن الدكتور ليبي أن هذه التكنولوجيا لها مستقبل باهر لأن الجمع بين أجهزة قابلة للارتداء والذكاء الاصطناعي سيغير قدرتنا على مراقبة أمراض القلب وتوقّعها. وبفضل هذه القدرات، سيستعمل الذكاء الاصطناعي تقنية التعلم الآلي لتحليل كميات هائلة من بيانات تخطيط القلب الكهربائي الاعتيادية. نتيجةً لذلك، قد تنجح أنظمة الحلول الحسابية المشتقة من هذه التكنولوجيا يوماً في توقّع الرجفان الأذيني والنوبات القلبية وقصور القلب، حتى أنها قد تنذر بها قبل سنوات من وقوعها. ستكون تدابير ضبط الجودة والمسائل التنظيمية كفيلة بتحديد الجدول الزمني لصدور هذه الأدوات، لكن يتوقع ليبي أن تُطرَح نسخ مُحسّنة من الساعات الذكية بعد أقل من عشر سنوات.


MISS 3