د. ميشال الشماعي

لبنان الجديد آتٍ لا محالة

5 كانون الأول 2020

02 : 00

تبدو عامة الناس اليوم غير مهتمة بمشاغل الطبقة السياسية، التي تبحث عن اجتهادات لاهوتية وفقهية ودستورية لثلث الثلاثة من قانون انتخاب، بعد فشل طرح المؤتمر التأسيسي أو، على الأقلّ، وضعه في ثلاجة الإنتظار ريثما يسمح المومنتم الإقليمي والدولي بذلك. فضلاً عن ملفّ رفع الدعم والإحتياطي الإلزامي الذي بات القارع الأزعج على أبواب الناس كلّها، وليس انتهاءً بموضوع التدقيق الجنائي الذي خضّ أبواب المصارف والمؤسسات العامة على اختلافها، مع ما رافق هذا الأسبوع من تداعيات على أثر الإنتخابات الطالبية في الجامعة اليسوعية. هذا من دون إغفال المؤتمر الدولي الذي جرى في باريس، وما صدر عنه من توصيات ضربت مرّة جديدة هذه السلطة، تزامن مع تحليق كثيف للطيران الإسرائيلي، واستعدادات عسكرية أميركية وصلت إلى منطقة الخليج.

أسبوع حافل مرّ، لكن بسلاسة سياسية فقط، وما يجب التوقّف عنده هو استشراف للمرحلة القادمة، مرحلة ما بعد هذه الأحداث وتداعياتها. يبدو أنّ الإعداد لمؤتمر تأسيسي قد بات على نار هادئة اليوم تحيّناً لتلقّف الفرص الدولية أو الإقليمية التي قد تسمح بذلك. وبما أنّ الالتزام الأيديولوجي بين لبنان وإيران قد نجح باختطاف الدولة بأكملها من عرينها السيادي، بات جليّاً أنّ أيّ ضربة في المنطقة سترخي بتداعياتها على الساحة اللبنانية. لذلك، هذا الصمت السياسي المريب في هذا الموضوع بالذات يُنبئ بأنّ التحضيرات المحلية له قد انتهت.

أمّا موضوع الساعة الذي يهمّ المواطن اللبناني بغضّ النّظر عن انتماءاته، فيبقى في قوته اليومي. عدم الإستجابة للمطالب الدولية التي تجلّت بمطالبة الرئيس الفرنسي بحكومة حياديّة، قد فسّره بعض سخفاء السياسة في لبنان بأنّه إذعان فرنسي، لا بل أممي، لمطالب هذه الطبقة السياسية. فيما يبدو أنّ الغرب بأسره بات على موجة واحدة. إنّ تعنّت هذه السلطة الفاسدة الفاجرة قد وحّد الديبلوماسيتين، الأوروبية والأميركية، في النظرة إلى الأزمة اللبنانيّة.

ما يعني ذلك، أنّ المؤتمر الأوروبي الذي جدّد عدم ثقته بهذه الطبقة وحصر المساعدات بالمجتمع المدني، غير السياسي حتّى، هو مؤشّر جديد بأنّ المرحلة المقبلة ستشهد تطوّراً ديبلوماسياً جديداً، قد يترجم بعقوبات أميركية جديدة، وبإخراج أوروبي هذه المرّة، لتضييق الخناق أكثر على هذه الطبقة؛ لا سيّما بعد تيقّن الغرب من أنّ النظام المصرفي اللبناني، ليس وحده المسؤول عن الفساد الإقتصادي، والتهريب المالي الدولاري إلى سوريا وإيران، بعد اكتشاف نظام اقتصادي رديف لنظام الدولة، تقوده الذراع الإيرانية في لبنان، أي "حزب الله" الذي جدّد صراعه الكياني مع إخوته في الوطنية، في جامعة القديس يوسف في الأشرفية، الذي تجلّى بأبهى حلله بين صراع مشروعين: مشروع الكيانية اللبنانية، ومشروع الربط الأيديولوجي والإنتماء الإيراني. وفي ملفّ الإنتخابات الطالبية، يجب التوقّف عند تفوّق التيّارات اليسارية، تحت العباءة العلمانية التي حصدت نتيجة عملها الذي بدأ منذ فشل ثورة 14 آذار ببعدها العملي على الأرض. إلا أنّ روحها التي صمدت هي التي قادت حَمَلَة الفكر الكياني والسيادي في أدائهم وعملهم السياسيين. فالمرحلة الجديدة التي سيقبل لبنان السياسي عليها تبقى مرحلة غامضة إن لم تنجح هذه التيّارات بوضع مشروعها السياسي، لأنّ الذين يمثّلون الفكر السيادي بات واضحاً بأنّهم وحدهم الذين يملكون اليوم الرؤية الجديدة والمشروع الواضح للبنان الجديد، على قاعدة حرّية وسيادة واستقلال وحياد هذا الوطن.

إلى ذلك كلّه، تبقى منطقة شرق المتوسط اليوم متصدّرة اهتمامات الدول الإستثماريّة في مجال النفط والغاز من حيث تحوّلها في مرحلة بعد الإنتاج وسيلة للحدّ من النفوذ الروسي في القارة العجوز، ومفتاحاً جديداً للتحكّم بالإقتصاد الأوروبي والمتوسّطي بالتّحديد. وما هذه التحرّكات التي نشهدها جوّاً وبحراً وبرّاً إلا محاولة لترجمة هذا الصراع الجديد على أرض الواقع. وسط ذلك كلّه، المطلوب من الشعب اللبناني اليوم الصمود الوجودي، والمقاومة السلمية لمنع هذه الطبقة من الإطباق على ما تبقّى من الوطن، وإدخال لبنان في بازار التسويات الإقليمية القادمة على حساب كيانيته الأصيلة والأصلية؛ إضافة إلى ممارسة الضغط السياسي لوضع حدٍّ لهذه الطبقة، من خلال السير قدماً بثورة سياسية، مواكَبة مع الثورة المواطِنِية على قاعدة كيانية جلِيَّة لبناء وطن الغد إكراماً لتضحيات مَن سبقنا، وليس فقط إكراماً لمَن سيأتي من بعدنا.