رمال جوني

النبطية: خوف من رفع الدعم... والمواطن ينازع للبقاء

7 كانون الأول 2020

02 : 00

لا لرفع الدعم عن الطحين

هدأت حركة الشارع نسبياً، تراجعت حدّة زحمة السير التي رافقت الأيام الأولى لفتح البلد، ودخل الجميع في نزاع مع الوضع المعيشي. فالأمور تتّجه نحو الأسوأ باعتراف الجميع، كلّ القطاعات تنازع، الدولار غلبهم وأفقدهم رأسمالهم، وباتوا "عالحديدة". قليلة هي القطاعات "الماشي حالها"، ففَورة شراء السلع، والغذائية تحديداً، خفتت وباتت الماركات المتوفرة "مش أصلية"، معظمها سوري وتركي ومصري، فيما اللبناني يحلّق بأسعاره، حتى المدعوم "مش مدعوم" وفق حسابات محدودي الدخل.

وفيما الكلّ يترقّب حضور لقاح "كورونا"، ينظر المواطن بعين الريبة الى حاله المتردّية. يحتاج الوضع برأيه الى لقاح للأسعار، لم يعد يبالي بأزمة النفايات التي تراوح مكانها وتخلق مزيداً من الأوبئة، ولا بأزمة المياه التي يفرض عليه شراؤها بأسعار خيالية، ما يشغله كيف يعيش؟

يُقرّ الجميع بأنّ الكلّ متواطئ ضدّه، ينازع للبقاء من دون جدوى. بات من الواضح أن لا حلول في الأفق، أقله في المدى المنظور. اللبنانيون أكثر قلقاً من ذي قبل، يشغل بالهم رفع الدعم، أخافهم رفع سعر المحروقات 800 ليرة، شعروا بالخطر يقترب أكثر، يرون برفع الدعم نهاية الفقراء، ومُحتمل إشعال ثورة حياتية بالرغم من أن كثراً يستبعدونها نتيجة حالة التبعية التي تسيطر على الناس.

ليس الخوف من رفع الدعم عن المحروقات ما يقلق الناس، ايضاً الدواء، فالبيع يخضع لتقنين قاس فيما تشهد بعض الادوية إرتفاعاً في اسعارها، أو هي مقطوعة، ما دفع بالمواطن الى تموين الدواء، أقلّه أدوية الرشح والفيتامينات التي فاقت أسعارها قدرة الفقراء على شرائها في عزّ الحاجة اليها. يقول الصيدلي عبد: "إنّ الخوف مبرّر، فلا شيء يبشّر بالخير. رفع الدعم يعني إنفجاراً صحّياً خطيراً بدأنا نلمس تداعياته من تقنين الشركات توزيع الادوية أو رفع سعرها، وهذا ما قد يدفع الناس للموت وجعاً"، ولا يُنكر عبد أنّ "شريحة واسعة من الناس باتت عاجزة عن شراء علبة "بانادول" وصل سعرها الى الـ5000 ليرة بزيادة النصف تقريباً في أقل من شهر، وبحسب المعلومات "البانادول" مهدد بالإنقطاع، ما دفع بالصيدليات لبيعه بالظرف أو علبة واحدة فقط.

يبدو اننا انزلقنا الى السيناريو الإقتصادي الخطير، كل المؤشرات تشي بأن الناس إختنقت، خصوصاً المياومين الذين يعملون باليومية، الأخيرة حافظت على ثباتها بـ30 ألف ليرة أي ما دون الـ5 دولارات، وهذا يضع الجميع أمام إمتحان مُرّ فيما لو رفع الدعم. يتوجّس الجميع هذا الخطر، بدأوا يلتمسون الإرتفاع التصاعدي في الاسعار، من الدواء الى اللحوم والدجاج مروراً بالسلع الغذائية، وصولاً الى الخضار التي باتت محصورة بالطبقة الميسورة، ومحرّمة على المتعفّفين. كيف سيواجه الناس رفع الدعم؟ وأي واقع ينتظرهم؟ لم يعد الخوف من "كورونا" كبيراً بقدر الخوف من رفع الدعم، صحيح أنّ كلا الوباءين خطير وقاتل، غير أنّ الناس تفضّل الموت بالوباء على الموت بذلّ الزعماء لها.

يدرك الجميع اننا دخلنا المنعطف الخطير اقتصادياً، فالكل يقف عند شفير الإفلاس، وحدها الرفوف الفارغة داخل السوبرماركات مصحوبة بإرتفاع الاسعار تشي بأنّ الوضع "ما بيطمّن"، وكذلك الحال بالنسبة للحوم والدجاج التي تشهد ارتفاعاً غير مسبوق من دون مبرر، رغم ان كلا الصنفين مدعوم ولكن بالإسم فقط، إذ منذ جولة التفتيش الأولى لوزارة الإقتصاد قبل شهرين تقريباً، لم يعد أحد يرى طيف المفتّشين، فالحملة كانت بروباغندا إعلامية وِفق تعبير الناس، فلو كانت حقيقية لشهدت الأسعار تراجعاً، ولكن في لبنان كل شيء يسير "بالمقلوب". يسجل الناس عتبهم على الدولة، ولكنه عتب "عل ماشي"، لم يذهبوا في اتجاه المقاطعة لتلقين التجّار درساً، فسياسة المقاطعة ليست في حساباتهم. على العكس، بمجرّد رفع الأسعار يتهافتون للشراء مخافة إنقطاعها، وغاب عن بالهم أنّها كلها مسرحية تجارية رابحة، إستطاع من خلالها التجّار مدّ جسور التجارة مع الخارج وتصدير المنتجات كافة للأسواق العربية والأوروبية، وهذا ما يؤكّده أحد تجّار الفاكهة الذي يجزم بأنّ الاسعار سترتفع اكثر في الأيام المقبلة نتيجة تصدير البضائع للخارج، ويضرب مثلاً الأفوكا، كان يشتريها من سوق الجملة بـ1500 ليرة للكيلو ويبيعها بـ4000 ليرة، اليوم بات سعرها 9000 في سوق الجملة بسبب التصدير. ويرى التاجر أن سوق الخضار في مأزق كبير، ويواجه اخطر ازمة في تاريخه، بسبب سيطرة حيتان المال عليه واللعب بالفقراء لتحقيق المكاسب، من دون أن يخفي أنّ "الدولة الغائبة بأجهزتها الرقابية سمحت لهؤلاء بالتحكّم برقاب الناس".


MISS 3