"حرب الصلاحيات" تستعر وباريس تُشبّه لبنان بـ"التَيتانيك"

دياب فوق القانون وصوّان أمام "الامتحان"

01 : 59

جانب من سوق "أبو رخّوصة" الذي تمّ افتتاحه أمس في ساحة الشهداء (رمزي الحاج)

لن يجد المحقق العدلي في جريمة 4 آب من يستمع إليه اليوم، فرئيس الحكومة المستقيل حسان دياب أوصد الباب في وجهه ببلاغ رسمي صادر من السراي، رافضاً الخضوع لجلسة استماع كمدعى عليه بـ"الاهمال" وواضعاً رئيس الحكومة فوق القانون، وموجهاً طعنة نجلاء الى التحقيق وأهل الضحايا، والممانعون الثلاثة سيتمنّعون عن المثول أمامه على قاعدة أن "مطرقة القضاء لا تعلو فوق مطرقة المجلس"، ليبقى السؤال: ما هي خطوته المقبلة؟

فمن حيث احتسب أو لم يحتسب، وجد القاضي فادي صوان نفسه محاصراً بقرار ادعائه المنقوص، ولم يعد من خيار أمامه لفك الحصار السياسي والنيابي والطائفي عنه سوى أن يسلك واحداً من مسلكين، إما توسيع مروحة الادعاءات لتشمل كل من "كان يعلم" بتخزين شحنة نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون أسوةً برئيس الحكومة، وإما إدارة الظهر والتنحي. أما ما عدا ذلك من مسالك وخيارات تراوح بين تمييع الادعاءات وتبريد التحقيقات واستسهال الاستسلام والرضوخ للضغوط، فوصفة جاهزة لإثارة مزيد من الشكوك حول وجود مآرب سياسية ونوايا كيدية مبيتة، دفعته في المقام الأول لتسطير ادعائه بالشكل المجتزأ الذي أصدره.

وبناءً عليه سيكون القاضي صوان اليوم أمام "امتحان" يُكرم بنتيجته القضاء أو يُهان بصورته وهيبته وقراراته، ربطاً بكيفية تصديه للعصيان السياسي على ادعاءاته واستدعاءاته، وهو ما سينسحب في تداعياته على مختلف التحقيقات الجارية والمرتقبة في العديد من ملفات الفساد وهدر المال العام والتدقيق الجنائي بحسابات المصرف المركزي والوزارات والمؤسسات العامة، تأسيساً على سابقة التمنع عن المثول أمام المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ.

أما حكومياً، فالمشكلة تخطت في أبعادها معضلة التحاصص الشكلي للحقائب والوزراء لتبلغ مرحلة "الأزمة الدستورية"، بعدما أشعل رئيس الجمهورية فتيل اشتباك على الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة، "أحرقت شراراته الأولى تشكيلة الاختصاصيين التي قدمها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وشرّع الأبواب على سيناريوات وفرضيات بدأت من كباش التأليف وقد لا تنتهي إلا بنظام تأسيسي جديد"، وفق ما حذرت مصادر متابعة للملف الحكومي، موضحةً لـ"نداء الوطن" أنّ عون نجح في "قلب الطاولة على دستور الطائف فهو لم يترك فرصة متاحة لقضمه إلا واغتنمها، وصولاً إلى بدعة تقديمه تشكيلة وزارية مضادة لتشكيلة الرئيس المكلف، الأمر الذي بات ينذر بتبعات خطيرة تتهدد المواد والآليات الدستورية الناظمة للعلاقات والصلاحيات بين المكونات اللبنانية".

وليس بعيداً عن هذا التوجه، جاءت مقدمة نشرة قناة "أو تي في" المسائية لتشدد على كون "المشكلة اللبنانية هي مشكلة آلية يسميها البعض نظاماً، والبعض الثاني ثغرات في الدستور والبعض الثالث تطبيقاً خاطئاً للطائف"، بينما كانت الهيئة السياسية في "التيار الوطني الحر" قد أعلنت أمس الأول رفضها الصريح لتشكيلة الرئيس المكلف بوصفها "تركيبة أمر واقع" تتجاوز أصول "الشراكة الدستورية" في عملية تشكيل الحكومة مع رئيس الجمهورية، منوهةً في المقابل بتقديم عون "طرحاً حكومياً متكاملاً‏ مبنياً على قواعد وأصول واضحة".

في المقابل، لم تتأخر كتلة "المستقبل" النيابية في رد الصاع لـ"التيار الوطني"، فأصدرت بياناً تصعيدياً لم يسلم منه لا العهد ولا "الصهر"، واضعةً الادعاءات التي طالت رئاسة الحكومة في قضية المرفأ في إطار غير معزول عن "الكيديات السياسية والمحاولات الجارية للانقلاب على صيغة الوفاق الوطني"، وحذرت من وجود "خطة انتقامية من اتفاق الطائف تستحضر الأدبيات الانقلابية في آخر الثمانينات، ومخطط لاحتواء وعزل الموقع الأول للطائفة السنية في لبنان".

وإذ عددت الكتلة مراحل ومحطات دأب فيها عون على تعطيل تشكيل الحكومات سواء "كرمى لعيون الصهر، أو بدعوى فرض المعايير التي تجيز لقيادات الطوائف تسمية الوزراء واختيار الحقائب الوزارية والتمسك بالثلث المعطل والقضم من حصص الطوائف الأخرى"، حملت من هذا المنطلق النهج العوني مسؤولية مباشرة عن التمترس خلف الحصص الطائفية، و"تعطيل ولادة تشكيلة الرئيس المكلف التي ترتقي فوق المحاصصة الحزبية".

ورأت المصادر أنّ "الحريري بصدد مغادرة البقعة الرمادية في مجابهة الإشكالية الحكومية، وهو قرر على ما يبدو التصدي لمحاولة عون ومن ورائه باسيل الاستيلاء على صلاحيات رئاسة الحكومة"، وأعربت عن قناعتها بأنّ بيان كتلة المستقبل كان "أول الغيث" في هذا السياق، متوقعةً أن تشهد الأيام المقبلة "مزيداً من دخول الأسلحة الثقيلة على أرض معركة الصلاحيات بين قصر بعبدا وبيت الوسط، لتكون النتيجة أن لا حكومة في الأفق، لا إصلاحية ولا غير إصلاحية، لا قبل مجيء ماكرون ولا بعد مغادرته"... ولعل خير معبّر عن سوداوية المشهد اللبناني في المرحلة المقبلة، ما قاله وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لصحيفة "لو فيغارو" أمس، لناحية إبداء تشاؤمه الصريح حيال الوضع في لبنان الذي شبهه بـ"سفينة تيتانيك من دون أوركسترا"، مضيفاً: "هم في حالة إنكار تام، يغرقون ولا توجد حتى موسيقى". في إشارة إلى الاعتقاد السائد بأنّ أوركسترا سفينة تيتانيك استمرت في العزف لأطول فترة ممكنة في محاولة لمساعدة الركاب على الهدوء قبيل غرق السفينة.


MISS 3