جوزف عيساوي

الياس الرحباني

5 كانون الثاني 2021

02 : 00

ما اصعب ان تكون ملحّناً وفي آنٍ الأخ الأصغر لعاصي ومنصور، الأخوين رحباني، اللذين هيمنا عقوداً على الفن الغنائيّ في لبنان. هذه المعاناة التي احسّها ايضاً كبار الملحّنين وصانعو المسرح الغنائيّ (بل وحتى مخرجو المسرح الحديث الذي كان ولعله ما زال يبحث عن جمهور لا يعثر عليه) لخّصها الياس الرحباني ردّاً على سؤالي في حلقة تلفزيونيّة: "كنت يوماً اقود سيارتي ومعي عاصي، وعلى المقعد الخلفيّ فيروز. رحت ادندن لحناً جديداً وأضرب الإيقاع بيدي على الديريكسيون لعل عاصي يقول: اعجبني وسآخذه لفيروز. ولكن عبثاً". طبعاً غنّت فيروز 4 او 5 من الحان الياس، ولكن الأخ الأصغر الذي قال ان عاصي ومنصور كانا مثابة والديه بعد يتم، لم يُعتبر من قبلهما مستحقّاً اكثر من ذلك "نعمة" ان يسكن حنجرة فيروز: نجمتهما التي درّباها وصقلاها حتى غدت، وطبعاً بصوتها النادر وشخصيّتها الفريدة، جوهرتهما يكرّمان بها من يشاءان ويحجبانها عن كل الآخرين. ولقد استحقّ التكريم من وجهة نظرهما ندرة في طليعتها فيلمون (العدد الأكبر من الألحان) وعبد الوهاب (5) وزياد ونجيب حنكش في فلتة شوطه "اعطني الناي". عدا طبعاً الفولكلور والتراتيل السريانيّة والبيزنطيّة والأغاني المشهورة شرقاً وغرباً والتي أعادا توزيعها وكتابة كلماتها.

اليوم غاب الياس الذي برعَ في ألحان الإعلانات وكان من روّادها مع اغاني الفرانكو آراب وموسيقى عدد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونيّة بين بيروت والقاهرة. وهو متأثّراً بالأخوين كتب ولحّن ثلاث مسرحيّات غنائيّة. وكم تشبه الحانه خفّة روحه، وطرافته، وإحساسه ان العمر رفّة جناح عصفور حتى ولو رحل عن 83 عاماً. في الحلقة التلفزيونية ايّاها اسرّ لمشاهديه عن تناوله دواء الأعصاب: "تخيّل حبّة صغيرة قادرة على تحسين مزاجك، فما العيب في تناولها؟". يرحل الرجل متأثّراً بفيروس كورونا بعدما تردّد عن اصابته قبل اعوام بألزهايمر، وفي الحالين هي الطبيعة تحقد على ذاتها: طفرات عشوائيّة وأخطاء جينية ابعد ما تكون عن اي تنظيـم دقيق للحياة، او غائيّة في الخَلق. الياس، مثلاً، ما كان ليستحق الموت الا بجَرحة من عبق غاردينيا حديقته، او شهقةٍ زائدة من زهرِ ليمون بلدته انطلياس.

(عن الفيسبوك)


MISS 3