عماد موسى

الياس رحباني... غياب النوتة الثالثة

5 كانون الثاني 2021

02 : 00

كأنّ منصور والياس رحباني توافقا على سنّ الرحيل، فغادر الأول في الثالثة والثمانين من عمره في صقيع كانون، ومثله فعل الثاني برحيله يوم أمس عن عمر مماثل. إنضم "الياس" إلى "الأخوين" والأخت سلوى، كنّة "الأخطل الصغير"، تاركِين خلفهم إرثاً ووطناً وجيلين من الرحابنة وحزناً فوق حزن.

بقي الياس خارج ثنائي "الأخوين رحباني"، ومتمايزاً عنهما، ففارق السن بين عاصي والياس تجاوز الخمسة عشر عاماً، لكن الطفل عايش ولادة الصيغة التي جمعت الأخوين وفيروز، ولاحقاً صار من ركائز مسرحهما الغنائي وبرامجهما وشريكاً في تلحين مقاطع وأغنيات، او "فاتحاً" على حسابه. كما تعرّف يوم كان ولداً إلى "عمو" وديع، والشحرورة صباح وزكي ناصيف وتوفيق الباشا. طفل الأربعينات كبر، تعلّم، وفي سن الواحدة والعشرين لحّن "للّوس" لوديع الصافي "يا قمر الدار" وكرّت السبحة. في تلك السنة لحن لصباح "شفتو بالقناطر" وكانت بداية تعاون طويل المدى أثمر 65 أغنية ما عدا السهو والغلط.

تمايز "الأخ الأصغر" عن شقيقيه بالتنوع المعطوف على غزارة، وبتشبّعه من الموسيقى الغربية بشكل خاص، وله فيها جولات وتجليات. في سبعينات التألق ألّف الياس رحباني موسيقى فيلم "دمي دموعي وابتسامتي" المقتبس عن رواية لإحسان عبد القدوس، وهو من بطولة نجلاء فتحي، نور الشريف وحسين فهمي، وإخراج حسين كمال ( 1973)، وأعقبه بموسيقى فيلم "حبيبتي" لهنري بركات من بطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين وصوّر في بيروت كما وضع موسيقى "أجمل أيام حياتي" لبركات أيضاً، وأدّى أدوار البطولة فيه حسين فهمي وعماد حمدي ونجلاء فتحي، ولاقت موسيقى الشريط شهرة واسعة. كما ألّف موسيقى مسلسل "ألو حياتي" من بطولة هند أبي اللمع وعبد المجيد مجذوب، وكان فتى الشاشة الصغيرة الأوّل، أو بين الأُوَل في تلك الحقبة.

والياس، الكثير النشاط والابتسام والمرح والحاضر لتركيب "المقَل"، كثير "النق" أيضاً كان، ودائم التحسّر على فرص عالمية "أفلتت منه"، و"فرملت" انطلاقته العالمية بفعل الحروب المتتالية وعدم رغبة "المايسترو" في الاستقرار خارج لبنان. بقي في بلاد الأرز يؤلف ويلحّن ويبدع ويشهر احتجاجاته وغضبه وحبّه. في بداية الألفية الثالثة لحن رحباني نشيد الفرانكوفونية، وفي الثمانينات وتحديداً في العام 1980 لحّن نشيد "نحن جنود الحرية"، كما وقّع "عالصخر منحفر كتائب" وأناشيد القوات و"أسلحتها" أيام الحرب. ونشيد حزب "القوات اللبنانية" في زمن السلم. لكل لحظة موسيقاها. لكل ظرف أحكامه. لكل مرحلة إيقاعاتها وأنغامها وأدواتها التعبوية. وتبقى موسيقى الياس رحباني التجارية وغير التجارية، في كل الساحات والأمكنة والأزمنة، ترفرف في القلب مع "طير الوروار" والروائع الموازية. أما أصعب ما يُقال للمايسترو المسافر إلى حيث سبقه أخواه: "منقول خلصنا تودّعنا"...


MISS 3