المحامي حسان الرفاعي

بعد خروج الرئيس على الدستور أفصِحوا عن الأسماء

19 كانون الثاني 2021

02 : 00

لماذا لا يقوم الرّئيس عون بمصارحة الشعب؟

بدّلت فرنسا نظامها السّياسي سنة 1958من برلماني الى شبه رئاسي (Présidentialiste) في ما سُمّيَ بالجمهورية الخامسة في فرنسا. وفي ظلّ هذا النظام، يتمّ انتخاب رئيس الجمهورية مباشرةً من الشعب كما هي حال انتخاب نواب الأمّة. وهذا ما يعطي رئيس الجمهورية شرعية شعبية مباشرة وأكيدة.

وخشية تسليم كلّ مقدّرات فرنسا لأكثرية حزبية واحدة رأينا مراراً الشعب الفرنسي، وفي فترة زمنية وجيزة، ينتخب رئيساً للجمهورية من لون سياسي معيّن، ومن ثمّ ينتخب أكثرية نيابية من لون سياسي مناقض ممّا يؤدّي إلى تشكيل حكومات تُسمّى بحكومات المساكنة "Gouvernement de cohabitation".

ما يهمّنا اليوم هو أنّ رئيس الجمهورية الفرنسية صاحب الصلاحية غير المقيّدة في تسمية رئيس الحكومة، لا يتأخّر تحت أي حجّة عن تسمية رئيس حكومة من الأكثرية النيابية، بالرغم من أنّ لا مهلة دستورية تلزمه تسمية رئيس حكومة.

في المقابل، يقوم رئيس الحكومة الذي سمّاه رئيس الجمهورية من ضمن رجال الأكثرية النّيابية حُكماً بتشكيل حكومته، من دون تباطؤ، ويقدّم أسماء وزارته إلى رئيس الجمهورية الذي يصدر مراسيم الحكومة مع معرفته أنّها ستقف على الأرجح في وجه أفكاره وسياساته التي وعد بها وانتُخِب على أساسها.

يتمّ كلّ هذا "بِسلاسة" لأنّ رئيس الجمهورية يحترم الإرادة الشعبية، ولأنّ رئيس الحكومة لا يقترح أسماءً استفزازية، ولأنّ الرجلين أو السيّدتين (لِمَ لا) يتصرّفان بمسؤوليّة تامّة وفقاً للمبادئ الديموقراطية والجمهورية!

أمّا في لبنان، وبالرغم من أنّنا في نظام برلماني، حيث المجلس النيابي هو الممثّل الأوّل للإرادة الشعبيّة، وحيث يقوم رئيس الجمهورية بدور الحَكَم، لا بدور الفريق السياسي، وحيث إنّه غير مسؤول إلّا في حال إدانته بالخيانة العظمى، أو بخرْق الدستور، وحيث تجري تسمية الرئيس المكلَّف تشكيل الحكومة عبر استشارات مُلْزِمة لرئيس الجمهورية، نرى، بكلّ أسف، هذا الأخير يتلكّأ في توقيع مراسيم الحكومة المعروضة عليه، لا بل نراه يتدخّل في كلّ اسمٍ وكلّ حقيبةٍ، ويضع معاييرَ من عنده، ويطالب بحصّة وزارية له، ويمنح نفسه مُهَلاً لإجراء الاستشارات أو تأخيرها، ويعطي نفسه حقّ رفض أيّ تشكيلة لا تخدم مصالح فريق من النوّاب، وتحديداً الفريق السياسي الذي كان، ولا يزال ينتمي إليه، بالرّغم من أنّه أصبح رئيساً لكلّ اللبنانيّين، لا لفئةٍ منهم.

هكذا نرى الرئيس اللبناني المنتَخَب من قِبَل مجلس النواب في ظلّ نظام برلماني يعطي نفسه صلاحيّات أكبر وأوسع من صلاحيّات الرئيس الفرنسي المنتَخَب مباشرةً من الشّعب في ظلّ نظامٍ شِبْه رئاسي.

الفارق الفعليّ بين الاثنين هو أنّ الرئيس اللبناني يستقوي بـ"التّيار الوطني الحرّ" وبمسايرة "حزب الله" له، ويذكّرنا بتصرّفات الرئيس الأميركي ترامب، حين أوعز هذا الأخير إلى مناصريه بالانقلاب على نتائج الانتخابات الأميركية، في حين أنّ الرئيس الفرنسيّ، أيّ رئيس فرنسيّ، يقف عند حدود صلاحياته ويحترم اللعبة الديموقراطيّة!

بالعودة إلى الواقع اللبنانيّ نسأل: لماذا لا يقوم الرّئيس عون بمصارحة الشعب مفصِحاً عن أسماء التّشكيلة التي سلّمه إيّاها الرّئيس المكلَّف، والتي يعترض عليها، فيبرّئ نفسه من تُهْمة التعطيل، ومن تهمة تفشيل الرّئيس المكلَّف الذي فرضته الاستشارات النيابية المُلْزِمة لدفعه إلى الاعتذار.

كذلك، ما الذي يمنع الرّئيس المكلَّف الذي استجاب لانتفاضة تشرين 2019 فسارع إلى تقديم استقالته، من أن يُفصح هو عن أسماء تشكيلته أمام الرّأي العامّ اللبنانيّ؟!

هكذا، تظهر الأمور على حقيقتها، ويعلم اللبنانيون المقهورون والمتخبّطون معاناة وبؤساً وإحباطاً إن كان مَن يدّعي حرصه على حقوقهم ومصالحهم وعلى الدستور هو فعلاً صادق، أو أنّه يختلق الحجج غير آبهٍ بمعاناتهم وبالمناشدات الدولية لتسهيل ولادة "حكومة المُهِمّة". هكذا أيضاً، تظهر حقيقة موقف كلّ اللاعبين السياسيين من "حزب اللّه" و"القوات اللبنانية" و"اللقاء الديموقراطي"...

إنّها خطوة بديهيّة في أيّ نظامٍ ديموقراطي، حيث للمواطن الحقّ بمعرفة حقيقة الخلاف والجهة، أو الجهات التي تعرقل قيام الحكومة!


MISS 3