جان م صدقه

كوفيد - 19 الغاصب: هل الربّ الإله الغالب غائب أم غاضب أم عاتب؟

6 شباط 2021

02 : 00

العالم كلّه غاطس في الحزن والقلق. إن لم يكن الله عاتباً أم غائباً، فهل هو ببساطة غاضب من العالم؟ هل جائحة كورونا التي تغتصب البشريّة وسيلة لإظهار استيائه؟ وأين الله في كلّ هذه الفوضى؟

مفهوم "الغضب" في الحبّ

يقدّم الله نفسه في الكتب المقدّسة على أنه إله يحبنا، وفي الوقت نفسه يرفض الشرّ الذي نفعله، لكنه لا يرفضنا بسبب ذلك. وبعيداً عن تناقض الحب، فهل "غضب الله" تعبير عن هذا الحب، أي أنه يمثل وجهين في مفهوم واحد؟

في العهد القديم، كان غضب الله ردّة فعله على خطيئة الإنسان وعصيانه. يوجّه الله غضبه ضد أولئك الذين لا يفعلون إرادته (تثنية 1: 26-46، يشوع 7، 1، مزامير 2: 1-6). كتب أنبياء العهد القديم الكثير عن "يوم الغضب". وغضب الله على الخطيئة والعصيان له ما يبرره، لأن خطته للبشرية مقدسة وكاملة، تماماً كما هو.

يتحدث العهد الجديد أيضاً عن إله غاضب يدين الخطيئة. تروي قصة الرجل الغني ولعازر دينونة الله وعواقبها الخطيرة على الخاطئ غير التائب (لوقا 16: 19-31). وكتب يوحنا 3.36: "من يؤمن بالابن فله حياة أبدية. من لا يؤمن بالابن لن يرى الحياة، بل يبقى عليه غضب الله. كل من يؤمن بالابن لن يحتمل غضب الله بسبب خطيئته، لأن الابن حمل عليه هذا الغضب بموته عوضاً عنا على الصليب (رومية 5: 6-11). وكتب بولس: أولئك الذين لا يؤمنون بالابن ويقبلونه كمخلص سيحاسبون في يوم الغضب (رومية 2: 5-6).

يرى القرآن الكريم أنّ حكمة الله قضت أن يكون في دين الله ومن أصوله جزاء المحسن على إحسانه، وعقاب المسيء على إساءته، حتى يستقيم أمر الناس وتعتدل أحوالهم. لذلك يرى المتتبع لنصوص القرآن والسنة النبوية بأن الله يعاقب المنافقين والعاصين الذين لا يقومون بواجباتهم بصور من العقوبات، وبألوان من العذاب في الدنيا. ولعلّ أعظم الغضب على من لا يشكر نعم الله كما قال تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ (سورة طه، آية 81). وقد تكررت آيات الغضب في القرآن في أماكن كثيرة كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ سورة النحل. آية 106.



لا تخف! لكن كيف؟

في الإنجيل، وردت عبارة "لا تخف"، بشكل أو بآخر، أكثر من 365 مرّة... واحدة لكلّ يوم من أيام السنة. رغم ذلك، في مجتمعنا الحالي، يسود الخوف والهلع من وباء كورونا.

هل نقرأ في هذا الوباء دينونة الله علينا؟ هذا سؤال يصعب التفكير فيه إزاء أنماط من التعاليم الكتابية التي تدل على مشاركة الله المستمرة في شؤون الحياة البشرية واستعداده لاستخدام إجراءات قاسية متطرّفة لتحقيق أهدافه.

عندما نواجه كارثة، تدعونا الكتب المقدسة إلى التطلع إلى الله للحصول على كل من الراحة واللوم الذاتي. يشير الأنبياء إلى أن الخطيئة والحاجة إلى التوبة هي الأسباب وراء الكوارث المختلفة. وتقول رسالة العبرانيين 12، "لا تستخفوا بتأديب الرب... لأن كل التأديب في الوقت الحالي يبدو مؤلماً أكثر منه لطيفاً" (12: 5، 11).

ما الذي يجب أن يفعله الله لجذب انتباهنا؟

قد يعطّل الله دورة الأنانية البشرية بوسائل فظيعة ويحاسبنا. فهل هذا الوباء جزء من نمط أكبر؟ هل قست قلوبنا لنشطب التحذير من كونه مجرد أعمال طبيعية؟ ألا يجب أن نسأل بالأحرى إذا كنّا تحت الحكم الإلهي؟

جائحة كوفيد - 19 تدمّر العالم. قال البعض: "لا تقلق؛ الله المسيطر". يقول آخرون إن الفيروس هو "دينونة الله على شرور البشرية" على الرغم من عدم وجود دليل على مثل هذا الإعلان من الله أو فهم تاريخي للأوبئة. لحسن الحظ، يذكّرنا التاريخ أن المآسي، حتى ذات الأبعاد الهائلة، كانت جزءاً من التجربة الإنسانية. لكن بالنسبة للعديد من الناس، فإن الوباء هو تعبير عن غضب الله ودعوة للاستيقاظ بشأن أنماط الحياة الخاطئة.

تعالوا إلى التوبة

في وقت الأزمات الحادة، عندما يتسلل الموت إلى المنازل والمتاجر، عندما تشعر بأنك بصحة جيدة ولكنك قد تحمل الفيروس من دون أن تعرف ذلك، عندما يكون كل غريب في الشارع يمثل تهديداً، عندما نتجول في أقنعة، عندما المعابد مغلقة والناس يموتون ولا أحد يصلي بجانبهم - فهذا وقت الرثاء والتوبة. ثقافتنا تخاف من الحزن، لكن ليس فقط لأنها تخاف من الموت. ثقافتنا خائفة من الوباء نفسه. علينا أن نستمر، نقول لأنفسنا، يجب أن نكون أقوياء. نعم. مثل يسوع الذي بكى على قبر صديقه.

يجب أيضاً أن نتذكر رومية 8:28، "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ". وقد يتساءل البعض ما هو الخير في ما يحدث هذه الايام من الاحزان التي تدمي القلب والتأكد انها للخير للذين يحبون الله!


هل هناك رسالة من الله في الوباء؟


هل فشل الله مع البشريّة، أم كاد؟ تحوّلت المناقشات حول "حضور الله" فجأة نحو الشك الجبري، مع فلسفات مختلفة تملأ الفجوة. يبدو أنه لم يعد من الممكن الوثوق "بالله" ليهتم بالأشياء على الأرض. هل غضب الله على البشرية نتيجة إرسال أوبئة "لمعاقبة" الناس؟ أو، كما يقترح البعض، أرسل "طاعوناً" على شكل فيروس لمثل هذه "العقوبة"؟

إن غضب الله مخيف ومرعب. ترى المسيحية أنّ فقط أولئك الذين يغطون بدم المسيح المسفوك على الصليب يمكن أن يتأكدوا أنه لن يسكبه عليهم: "بما أننا نعتبر الآن أبراراً بسبب دمه، فسيخلصنا أكثر من ذلك بكثير من غضب الله". (رومية 5-9).

لقد وفّر لنا الله طريقة لننال رضاه: التوبة التي تبعد غضب الله عن الخاطئ. إن رفض هذه الخطة الكاملة هو رفض محبة الله ورحمته ونعمة الله وإثارة غضبه البار.

من يداوينا؟

أخيراً، ربّما نسأل إن كانت مريم تنوي أن تتدخّل لشفاء العالم من هذا الوباء، كما في قانا! لكن ليس امامنا إلّا أن نستعيد صلاة جميلة تقول: غدونا كلّنا مرضى وليس فينا ســـواكِ من يداوينا.


MISS 3