جاد حداد

قصص حب تحدّت التقاليد في عائلة ويندسور الحاكمة

16 شباط 2021

02 : 00

الأمير تشارلز وزوجته كاميلا باركر
بدءاً من الملكة فيكتوريا وصولاً إلى الأمير هاري، مروراً بإدوارد الثامن والأميرة مارغريت وإليزابيث الثانية والأمير تشارلز، كانت الحياة العاطفية لأفراد العائلة البريطانية المالكة مشحونة ومعقدة أو حتى مستحيلة أحياناً. بين التقاليد والشغف، قد يصبح خيار القلب مُهدّداً. هل يكون التاج أقوى من المشاعر دوماً؟

في 11 كانون الأول 1936، قرأ الملك إدوارد الثامن إعلاناً عبر قناة "بي بي سي" من إحدى قاعات "حُصْن بلفيدير" الذي كان يقيم فيه في حديقة قلعة "ويندسور"، فقال: "بات مستحيلاً برأيي أن أتابع تحمّل مسؤولياتي الثقيلة وأنفّذ واجباتي كملك بالشكل الذي أريده من دون مساعدة ودعم المرأة التي أحبها". في ذلك اليوم، استنتج ابن جورج الخامس أنه يعيش قصة مستحيلة. فقد أُغرِم بجنون بالأميركية واليس سيمبسون ذات السمعة المشبوهة والمتزوجة مرتَين سابقاً، فأعلن عن رغبته في الزواج بها بعد وقتٍ قصير على وفاة والده. لكن لا يستطيع رئيس الكنيسة الأنجليكانية أن يرتبط بامرأة مطلّقة. كان إدوارد الثامن شخصاً غير ناضج وتتحكم به مشاعره، لذا رفض الرضوخ لنظام الحُكم الذي يدفعه إلى التراجع عن قراره. فأصرّ على موقفه وتنازل عن العرش لصالح شقيقه، الملك جورج السادس.

هذا ما حصل وفق السجلات التاريخية، لكنّ الواقع مختلف قليلاً. في المقام الأول، يثبت هذا التصرف القوة المطلقة التي يملكها النظام الملكي. بعبارة أخرى، لا قيمة لأي رغبة شخصية في هذه الأوساط. قد يشعر الناس العاديون بالحماسة حين يسمعون عن قصص الحب التي تتحدى التاج، لكن يحافظ العرش على أقوى نفوذ على الإطلاق لضمان استمراريته. إذا بات الملك عاجزاً عن تنفيذ مهامه، تُطبَّق قواعد الخلافة بلا تردد. لكن يكمن خوف أصمّ وراء الستار الحديدي الذي يحطّم أي شكل من المشاعر. إنه خوف من العار وخسارة الحس الوطني. تنازل إدوارد الثامن عن العرش فعلياً بسبب علاقاته مع قادة في "الرايخ الثالث" ومناصريهم. استقبل هتلر الملك الإنكليزي ويُشتَبه بأنه أعطى معلومات إلى القوات الألمانية، لذا طرحت آراؤه وتصرفاته خطراً على العرش والبلد عموماً.



الملك إدوار الثامن يعلن تنازله عن العرش عبر إذاعة بي بي سي / 11 كانون الأول 1936



قد تكون كتابة قصص الحب الأسطورية الأجمل على الإطلاق، لكنّ تفاصيلها تَرِد في مقاطع فرعية من كتب التاريخ. هل يمكن لوم النظام الملكي على كل ما يحصل؟ تختلف الأحداث في كل حالة من الحالات. تبرز في هذا المجال علاقة رومانسية شهيرة في سلالة ويندسور: إنها قصة الحب التي جمعت بين الأميرة مارغريت والكابتن بيتر تاونساند.

في 6 أيلول 1948، حضر عدد كبير من المدعوين إلى حفل تنصيب ملكة هولندا جوليانا في القصر الملكي في أمستردام. فراحوا جميعاً يحتسبون عدد الرقصات المشتركة بين الشقيقة الصغرى لإليزابيث الثانية وشاب وسيم. بدا الثنائي متقارباً جداً وفق ملاحظات البعض. بعد مرور سنوات، تذكّر الناس تلك الأمسية مجدداً حين قرأوا خبراً عن العلاقة الرومانسية التي جمعت بين الأميرة مارغريت وبيتر تاونساند على صفحات الصحف الأولى. لم تكن مارغريت البالغة من العمر 23 عاماً تستطيع الزواج من دون موافقة الملكة. تخبّطت إليزابيث الثانية بين منصبها وعاطفتها تجاه شقيقتها، فطلبت منها أن تنتظر إلى أن تبلغ 25 عاماً كي لا تعود بحاجة إلى إذن الملكة. في بداية العام 1955، ظنت مارغريت أنها تستطيع أن تعيش السعادة أخيراً. لكن حين اكتشفت أن زواجها من بيتر يعني خسارتها لجميع أملاكها وامتيازاتها ومكانتها، غيّرت رأيها وأعلنت عن قرارها مباشرةً على قناة "بي بي سي" في 31 تشرين الأول.

كانت مطالبة مارغريت بالتخلي عن مكانتها شرطاً مشيناً حتماً لكنها رضخت لهذا الواقع في نهاية المطاف. انبهر المراقبون بقصة الحب في البداية، لكن اعتبر جزء منهم إليزابيث الثانية مسؤولة عن فشلها لاحقاً. لكنّ الواقع يحمل جوانب خفية أخرى مجدداً. كانت مارغريت أميرة مستقلة لكنها متعلّقة جداً بمكانتها ولم تكن تتخيل أن تصبح "زوجة تاونساند" بكل بساطة. كما أنها كانت معتادة على مظاهر التبجيل والاحترام ولم تكن حياتها المستقبلية كزوجة عادية تتماشى مع تربيتها أو شخصيتها أو طموحاتها. تخبّطت مارغريت بين البوهيمية ومظاهر العظمة وحاولت التوفيق بين عالمَين مستحيلَين وسرعان ما غرقت في حالة سيئة بسبب انتشار الأخبار عن شبابها الضائع.

بعد قصة حب مارغريت، أصبحت قوة الرأي العام أساسية بالنسبة إلى المواقف الملكية. اتخذ هذا الجانب أهمية فائقة خلال العقود اللاحقة ووجّه الخيارات العاطفية لأفراد عائلة ويندسور. خاضت إليزابيث الثانية معركتها ضد النظام الملكي لجعله يتقبّل فيليب، ضابط في القوات البحرية من أصل ملكي لكن من دون لقب أو ثروة. لكنّ معركة ابنها تشارلز أحدثت تحوّلاً شاملاً، فحصلت ثورة في التقاليد وتغيرت المعايير الملكية رأساً على عقب.

في 29 تموز 1981، جلس الناس أمام شاشات التلفزة لمشاهدة حفل زفاف الأمير تشارلز والليدي ديانا سبينسر، فشعروا بأنهم أمام قصة خيالية. بدا وريث العرش وزوجته الشابة أشبه بشخصيات رومانسية من فترة الثمانينات. لكن سرعان ما انتشرت شائعات ومعلومات عن علاقتهما الشائكة، ثم تحوّلت الفرضيات إلى وقائع وانكشف انهيار زواجهما علناً. انتشر على نطاق واسع سيناريو مرتبط بتلاشي المشاعر بين الزوجين بسبب متطلبات العرش. لطالما حرصت العائلة المالكة على التمسك بصورة أخلاقية عامة، لذا حاولت أن تحافظ على استقامتها في جميع الظروف. هي لا تتقبل الطموحات الفردية بتحقيق السعادة في أي مرحلة من المراحل ولا تدرك أن الجوانب النفسية في علاقات الحب تطغى على المكانة الملكية لأفراد العائلة. يسهل إذاً أن ينهار الستار الحديدي وتنكشف أعمق الأسرار على الصفحات الأولى من الصحف. هكذا تحوّلت الشفافية التامة حول أخبار العلاقة المريعة بين تشارلز وديانا إلى شكلٍ من المطاردة الإعلامية.

سرعان ما أصبحت جميع الوسائل متاحة، بما في ذلك الاتكال على فساد الموظفين أو التنصت غير القانوني أو اختراق الخصوصية. توسعت هذه الممارسات لدرجة أن يُحاكَم صحافيون بريطانيون مشهورون في المرحلة اللاحقة بسبب الأساليب التي يستعملونها. أدى هذا السيل من المعلومات إلى اختراق تدابير الرقابة التي بقيت تحت السيطرة نسبياً خلال العقود السابقة. هكذا أصبحت جميع الأحداث علنية وراح البريطانيون يُعلّقون على التطورات اليومية بين تشارلز وكاميلا أو على وضع ديانا ودموعها. انتهت القصة التي بدأت كالحلم بطريقة مأسوية في 31 آب 1997 مع موت ديانا خلال حادث سير. أمام وقع الصدمة العاطفية التي عاشها الناس، قررت الملكة إليزابيث الثانية أن تتكلم للمرة الأولى في حياتها بصفتها "ملكة وجدّة في آن". إنه تحوّل شامل في طريقة التعامل مع الحياة العاطفية لأفراد العائلة المالكة. هكذا انتهى زمن الزواج المدبّر والعلاقات المرفوضة وتُرِكت مسألة العرش للزمن.



زواج الأمير تشارلز من الأميرة ديانا / 29 تموز 1981



في العام 2015، تزوج تشارلز أخيراً من كاميلا، بعد أكثر من 30 عاماً على لقائهما الأول. انتظر ابنه ويليام حوالى ثماني سنوات قبل أن يخطب المرأة التي اعتبرها "أجمل فتاة" في جامعة "سانت أندروز". تُعتبر هاتان القصتان العاطفيتان القويتان، إلى جانب علاقة ملكة إنكلترا العظيمة، الأكثر نجاحاً اليوم في النظام الملكي. لكن أدرك الأمير هاري أن حرية الحب هذه لها حدودها. في 19 أيار 2018، شاهد 3 مليارات شخص زواجه من ميغان ماركل، الممثلة السابقة المطلّقة. قوبل هذا الزواج الذي كان مستحيلاً منذ عشرين سنة بحفاوة كبرى من العائلة تجاه ميغان. في المرحلة الأولى، أشادت الصحافة بتلك العلاقة الرومانسية، فراحت المقالات تمدح هذه المرأة المستقلة والبسيطة والبعيدة عن الأجواء الأرستقراطية. اتكل الثنائي الشاب أيضاً على قوة جديدة: مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن لطالما بدا تعميم الديوان الملكي في صحيفة "ذا تايمز" بالياً مقارنةً بالمنشورات المتداولة على تطبيق إنستغرام ويصعب إخفاء الحقائق في هذا العصر. أصبح هذا الثنائي الشاب هدفاً منطقياً للصحافة نظراً إلى اختلافه عن أوساط القصر الملكي. اكتسب هاري وميغان شعبية هائلة لأنهما جزء من جيل حر ومستعد لتجاوز جميع الحدود والضغوط، لكنهما اصطدما في الوقت نفسه بأسوار النظام الملكي الصارم. واجه دوق ودوقة ساسكس مشاكل في تنظيم برامجهما وفي التواصل مع الآخرين وتعاملا مع ضغوط إعلامية فائقة وسرعان ما قررا تحدّي الجميع، بدءاً من وسائل الإعلام وصولاً إلى المسؤولين في الديوان الملكي.

شعر هاري وميغان بالتعب من تسليط الضوء على حياتهما الخاصة وضيّق عليهما النظام القائم الخناق، فقررا مغادرة المملكة المتحدة والانسحاب من الحياة الملكية لحماية عائلتهما وزواجهما. مقارنةً بالقصص السابقة، لم تتعامل عائلة ويندسور بعدائية فاضحة مع هذه العلاقة الرومانسية العابرة للأطلسي، بل احتفل أصحاب العرش بهذه القصة الجميلة بكل لباقة. لكن يُحدد هاري وميغان دورهما في الحياة اليوم من دون أن يكونا جزءاً من السيناريو الملكي. مع ذلك، يبقى لقب دوق ودوقة ساسكس السبب الأساسي لاهتمام وسائل الإعلام بهما. في مطلق الأحوال، يصعب عليهما أن يتعاملا مع وسائل الإعلام سواء أرادا دعم القضايا التي يدافعان عنها أو حماية خصوصيتهما. لكن لا علاقة للنظام الملكي بوضعهما الشائك هذه المرة...