خالد أبو شقرا

لبنان يستنزف 20 في المئة من فترة تعليق العمل بالسرية المصرفية والمدّة المتبقّية غير كافية

التدقيق الجنائي يدور على عجلة "هامستر" المصرف المركزي

17 شباط 2021

02 : 01

مصرف لبنان يعتصم بالصمت تجاه الإجابة عن أسئلة "ألفاريز آند مارسال" (رمزي الحاج)
الموافقة على الطلبات مع وقف التنفيذ، سياسة يتبعها مصرف لبنان منذ انفجار الأزمة الاقتصادية نهاية العام 2019. وقد رأيناها في ملاحقة الأموال المهربة، "الكابيتال كونترول"، فتح الاعتمادات للمستوردين، الدولار الطالبي وأخيراً وليس آخراً التدقيق الجنائي. حيث ان إلزام المركزي برفع السرية المصرفية بقانون، وإعادة التفاوض مع "ألفاريز" لا يعنيان لغاية الساعة إمكانية إتمام العملية ووصولها إلى أي نتيجة.





مرة جديدة علق مصير لبنان "لسانه بسما حلقه"، معتصماً بالصمت عن الإجابة عن ثلاثة أسئلة أساسية وجّهتها "الفاريز آند مارسال" إليه عبر وزارة المالية، كشرط لاستئناف التدقيق. فلم تتلق الشركة المدققة إلا جواباً واحداً من المالية، يتعلق بشمول التحقيق المصارف التجارية، بعد موافقة هيئة القضايا والتشريع في وزارة العدل، فيما بقيت ثلاثة أسئلة تتعلق مباشرة بمصرف لبنان من دون أي إجابة لغاية اللحظة وهي:

- إمكانية الدخول إلى حسابات المصارف التجارية في مصرف لبنان.

- إمكانية الدخول إلى كل تفاصيل حسابات مصرف لبنان، والزام المعنيين من الموظفين والمسؤولين بالاجابة على الاسئلة.

- إمكانية الشركة إقامة مكتب لها في "المركزي" وربطها بنظام المعلوماتية، لتسهيل عملية التدقيق وتقليل خطر نقل المعلومات إلى الخارج.


بعد فوات الأوان

الجواب الذي قد يأتي إيجاباً، يُتخوف من أن يكون بعد فوات الأوان. فـ "تعليق العمل بالسرية المصرفية الذي أقر لسنة في 21 كانون الاول 2020، قد انقضى منه لغاية اليوم شهران. والعمل الجدي والفعلي لن يبدأ بحسب الخبراء قبل شهر في حال موافقة مصرف لبنان حالاً على الشروط. وعليه لا يبقى أمام الشركة إلا تسعة أشهر لإجراء التحقيق المعقّد والمتشعب. وهي فترة غير كافية برأي الكثير من المراجع لانجاز المطلوب. فيما لو تأخر رد المركزي لمدة شهر أو أكثر كما هو متوقع، فان التدقيق يصبح عملياً شبه مستحيل. فقبل أن يصبح "فول" مصرف لبنان في "مكيول" شركة التدقيق، "استنزفنا 20 في المئة من الوقت، المتعلق برفع السرية المصرفية المحدد بسنة واحدة لتسهيل التدقيق، من دون أي فعل حقيقي"، يقول الخبير الاقتصادي د. وليد أبو سليمان. "وفيما التركيز على موقف مصرف لبنان يغيب عن بالنا أيضاً موقف الشركة الرسمي بعد تلقيها الأجوبة، ما تتطلبه عملية التفاوض معها على العقد والكلفة، وأخيراً التوقيع الذي أخذ الكثير من الوقت في المرة السابقة، قبل أن تعود الشركة وتفسخ العقد". هذا من جهة، أما من جهة الثانية فان الفترة المتبقية لانجاز تحقيق بفجوة تقدر بـ 80 مليار دولار، تعتبر غير كافية على الإطلاق. وبحسب أبو سليمان فان "التحقيق الجنائي في الموزمبيق من قبل شركتين أكثر اختصاصاً من "ألفاريز" إستغرق حوالى 7 أشهر، مع العلم ان التدقيق كان على مبلغ 2 مليار دولار. فكيف ستنجز شركة واحدة، في غضون أقل من سنة، تدقيقاً شاملاً في مصرف لبنان، وما سيتشعب منه إلى الوزارات والمصارف والصناديق وغيرها؟".


إشكاليات إضافية

عدا عن الوقت الضاغط الذي لا يصب في مصلحة انجاز التدقيق، "تبرز إشكاليات لا تقل أهمية عن السرية المصرفية" برأي أبو سليمان، ومنها كيفية التعاطي وتفسير المادة 151 من قانون النقد والتسليف. فهذه المادة تنص صراحة انه "على كل شخص ينتمي او كان انتمى الى المصرف المركزي، بأية صفة كانت، أن يكتم السر المنشأ بقانون 3 ايلول سنة 1956. ويشمل هذا الموجب جميع المعلومات وجميع الوقائع التي تتعلق، ليس فقط بزبائن المصرف المركزي والمصارف والمؤسسات المالية، وإنما ايضاً بجميع المؤسسات المذكورة نفسها، والتي يكون اطلع عليها بانتمائه الى المصرف المركزي". وبرأيه فان "موقف هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل غير ملزم لمصرف لبنان. خصوصاً ان هذه المادة لا تندرج ضمن ما ينص عليه قانون رفع السرية المصرفية، وهي لم تعدل مع إقرار القانون".

أما الاشكالية الثانية فهي تفسير ما ورد في القانون لجهة "شمول التحقيق بالتوازي كل المؤسسات والإدارات العامة". فهل يعني هذا تضمين العقد مع "الفاريز" ضرورة التدقيق في المؤسسات العامة أيضاً؟ أم التعاقد مع مؤسسات أخرى للتدقيق في إدارات الدولة وبقية المؤسسات بالتوازي مع التدقيق في مصرف لبنان؟"، يسأل أبو سليمان. "وعليه كم سيستغرق التدقيق في حال توسيعه؟ وهل سنخلق عقدة جديدة بتفسير بالتوازي؟. في الخلاصة فان ترك الامور مبهمة لا يخدم إلا تطيير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان".

الكل يشتمّ بالتدقيق "رائحة كافر يجب طرده". وما مجاهرة القوى السياسية ومزايدتهم على بعضهم البعض بالاصرار على التدقيق إلا لعلمهم انه لن يمر. وبالتالي لن يكشف عن الجريمة المنظمة التي اشتركت فيها أجهزة الدولة والمركزي والمصارف عن علم أو غير علم. وهذا ما يبدو بحسب المراقبين جلياً "بتقبل ممثلي الشعب إرسال حاكم المركزي نائبه الثالث إلى جلسة الاستفسار التي طلبوها".

"ليبقى في بلد منبقي نحكي عن التدقيق الجنائي"، يجيب أحد المسؤولين الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، على فرص نجاح ألفاريز في الوصول الى كشف الحقائق المخفية. ولوقتها يبدو إن التدقيق الجنائي في مصرف موضوع على عجلة "هامستر" ميؤوس منها.


MISS 3