د. عباس الحلبي

البابا فرنسيس حاملاً السلام والحوار

6 آذار 2021

02 : 00

هنيئاً للعراق الشقيق زيارة قداسة الحبر الاعظم فرنسيس الى ربوعه، الذي يأتي حاملاً غصن الزيتون الى بلد مزّقته الصراعات الداخلية والعدوان الخارجي والتدخلات الخارجية، ولا يزال، ويحمل شمعة مضيئة لانارة السبل في ظلمات هذا الشعب المقهور، في دولة هي الأغنى في المنطقة بما لديها من امكانيات بشرية وموارد طبيعية وأموال مستوفاة، في الوقت الذي لا يزال الشعب العراقي ضحيّة المعاناة والفقر والحرمان وتفشّي الأصولية والتطرّف والقتل والدمار.

العراق مرّ في أزمات وجودية ابتدأت مع الاحتلال الأميركي عام 2003، وما نتج عن هذا العدوان من تغذية للصراعات القبلية والعرقية والطائفية والمذهبية. كما تمّ اجتياحه من قبل الدواعش الذين أمعنوا خراباً وإرهاباً وتهديداً فيه.

ومن أبرز نتائج هذا الوضع، فشل السلطة الوطنية البديلة في إقامة دولة، ممّا ترك المجال مفتوحاً لظهور الانتماءات الأولية، وتغذية الفرقة بين المواطنين العراقيين، فانقسموا شيعاً ومذاهب تصارعت، وكان من نتيجتها تعرّض الأقلّيات الطائفية والمذهبية للاضطهاد والتهجير والقتل.

المسيحيون نزحوا وتركوا ديارهم التي تحوّلت الى دمار وركام، وهم العريقون في انتمائهم لهذا البلد، وتكاد تكون جميع كنائسهم ورموزهم الدينية محطّمة.

تأتي الزيارة لتعيد التأكيد على ضرورة تثبيت الوجود المسيحي هناك، وهي تحاكي محاولة استعادة ثقة المسيحيين ببلدهم وتثبيتهم فيه... لكنّ بالمقابل ليست زيارة البابا موجّهة فقط للمسيحيين، انما هي ايضا موجّهة لعموم العراقيين، ومن رمزياتها لقاؤه مع المرجع الشيعي الأعلى سماحة السيد علي السيستاني في محاولة لمخاطبة أهل الشيعة الذين يشكّلون غالبية الشعب العراقي، وهذا المرجع بما له من احترام وحضور ديني يعتبر رمزاً من رموز الانفتاح والاعتدال، لا شكّ سيضفي هذا اللقاء على هذه الزيارة رونقاً خاصاً بغية تعزيز سبل الحوار والتفاهم واحترام الآخر المختلف.

إنّنا في لبنان معنيّون بزيارة البابا، وكنّا نتمنّى لو كانت أحوالنا أفضل، وأحوال الوباء أفضل، ممّا كان يسمح لمشاركة بعض اللبنانيين في الترحيب بقداسته.

يبقى أنّنا كنا نتمنى لو أنّ البابا افتتح زياراته الى العالم العربي بلبنان أسوة بأسلافه، ولكننا ضيّعنا هذه الفرصة ومثلها الكثير.

وقّع البابا فرنسيس مع إمام الازهر وثيقة الاخوة الانسانية في ابو ظبي، وها هو يلتقي المرجع الشيعي الاول السيد السيستاني، ولا ننسى أنّ هذه المرجعية لا تقول اطلاقاً بولاية الفقيه، بل بالدولة الوطنية.

من جهة ثانية، ما لم يستطع البابا يوحنا بولس الثاني بلوغه في زيارتة اور حقّقه البابا فرنسيس، فهو عازم على زيارة اور حيث سيّدنا ابراهيم عليه السلام انطلق من هناك. ولا شك أنّ لقاءه المرجع السيستاني سيعزّز فكرة المواطنة في العراق على حساب العصبيات الطائفية. المسيحيون العراقيون متمسّكون بهويتهم العربية، والبابا الذي يتحمّل مخاطر الرحلة الأمنية والصحية أصرّ على تنفيذها، ساعياً الى أخوّة مواطنية بين العراقيين وأخوّة انسانية بين باقي البشر.