حارِب التوتّر والغضب في زمن الحجْر المنزلي

02 : 00

لا مفر من نشوء المشاكل حين يبقى الناس في المنزل لوقتٍ مفرط، حتى لو كانوا يعيشون مع شريك رومانسي، أو أبناء مراهقين، أو أحفاد، أو أصدقاء. يقول الدكتور روبرت والدينغر، طبيب نفسي في مستشفى "ماساتشوستس" العام التابع لجامعة "هارفارد"، ومدير "دراسة هارفارد لتطوير الراشدين" (دراسة مستمرة تراقب مئات الرجال وعائلاتهم منذ العام 1938): "بسبب تفشي فيروس كورونا، اضطر الناس لملازمة منازلهم، مع أن الإنسان ليس مُصمّماً بطبيعته للبقاء في المكان نفسه طوال اليوم".

للحفاظ على أجواء هادئة، تقضي الخطوة الأولى بفهم الأسباب الكامنة وراء توتر الجميع. ثم يمكنك تطبيق بعض القواعد لزيادة التفاهم مع المحيطين بك.


أسباب التوتر

تتعدد العوامل التي تفسّر توتر الأجواء في منزلك:

الضغط النفسي: يواجه الناس اليوم المستوى نفسه من الضغط النفسي بسبب تفشي وباء كورونا والاضطرابات السياسية والاجتماعية الأخرى. الوضع العام مخيف ولا مفر من أن يؤثر القلق على علاقات الناس. أصبحنا جميعاً أكثر حزناً أو قلقاً ويسهل أن نفقد أعصابنا في هذه الظروف.

المساحات المغلقة: قد تبدأ حدود منزلك، حتى لو كان كبيراً، بالضغط عليك مع مرور الوقت إلى أن تشعر باستياء عارم، وكأن هذه المساحة لم تعد تكفيك. يعيش البعض أيضاً في منزل مؤلف من غرف قليلة. في مرحلة معينة، نشعر جميعاً بأننا نحتاج إلى الابتعاد عن الآخرين لفترة.

العزلة: الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، لذا من المنطقي أن يشعر بالاضطراب إذا لم يقابل أصدقاءه وأفراد عائلته بعدما اعتاد على التواصل معهم طوال الوقت.

الاختلافات بين الأجيال: إذا كنت تقيم مع أبنائك الراشدين وأولادهم، قد تجد صعوبة في فهم تصرفاتهم إذا كانوا يصدرون الأوامر ويفرضون رأيهم على المحيطين بهم. ينزعج البعض أيضاً من تذمّر المراهقين لمجرّد أنهم لا يقابلون أصدقاءهم مع أن الناس يموتون بسبب الوباء.

خطوات للتوافق مع الآخرين


يمكنك أن تطبّق عدداً من المقاربات لتخفيف التوتر داخل منزلك.

ضع نفسك مكان الآخر: حين يغضب شخص آخر في وجهك، خذ نفساً عميقاً وتذكّر أن ذلك الشخص يتعرض لضغط نفسي غير اعتيادي مثلك.

جد التوازن المناسب بين التقارب والتباعد: خصّص مكاناً هادئاً كي تمضي فيه بعض الوقت وحدك (زاوية صغيرة، غرفة أخرى، مكان آمن خارج المنزل...).

ارسم الحدود اللازمة: اتفق مع الآخرين على أوقات النشاطات المشتركة وأوقات التباعد. يمكنك أن تجتمع مع أفراد العائلة مثلاً لتناول الغداء والعشاء وتبتعد عنهم في الفترات الفاصلة بين وجبات الطعام.

تنبّه إلى الاختلافات بين الأجيال: قد يفرض عليك أبناؤك الراشدون أفكارهم لأنهم يشعرون بالقلق عليك ويريدون حمايتك. كذلك، تذكّر أن المراهقين يسعون بطبيعتهم إلى اكتشاف ذواتهم عبر إقامة الصداقات والعلاقات العاطفية مع الآخرين. برأي عدد كبير من المراهقين، قد يكون التواجد مع الأصدقاء أهم من تجنّب مخاطر العدوى.

لا تحمل أي توقعات مفرطة: إذا شعرتَ بالانزعاج من الآخرين، لا يعني ذلك أن العلاقة التي تجمعك بهم شائبة. يجب أن تبتعد عنهم لفترة في هذه اللحظات تحديداً. كذلك، تذكّر أن أحداً لا يبقى سعيداً طوال الوقت ولا بأس بذلك. من الطبيعي أن تشعر بالإحباط من وقتٍ لآخر.

حسّن طريقة تواصلك مع الآخرين: حاول أن تجد طرقاً فعالة للتواصل مع الغير من دون أن توجّه لهم التُهَم أو تسلّط الضوء على أخطائهم. بل حدّد المشكلة بكل بساطة واطلب المساعدة لحلها بطريقة مشتركة. إذا كنت تنزعج مثلاً من بقاء الأطباق القذرة في المطبخ لوقتٍ طويل مع أن الشخص الآخر وعدك بغسلها، يمكنك أن تقول له: "أنا في حيرة من أمري. لا أعرف إذا كنتَ ستغسل الأطباق أو يُفترض أن أغسلها بنفسي". هذا الأسلوب يحقق نتائج أفضل من اتهام الطرف الآخر بالكسل أو بإزعاجك عمداً.

تكلم عما يزعجك: حين ينزعج الفرد من تصرفات بسيطة، مثل ترك معجون الأسنان مفتوحاً، يعني ذلك أن مشاكل عدة تراكمت قبل أن ينفجر الوضع لسبب تافه. قد تتعلق تلك التراكمات بشعور كامن، كأن تظن مثلاً أن أحداً لا يصغي إليك حين تطلب من شخص آخر أن يقوم بعمل معيّن، أو ربما تشعر بأن الآخرين لا يهتمون بما تريده. من خلال التطرق إلى المشاكل الحقيقية، يمكنك أن تعالج أكثر المسائل أهمية.

غيّر عقليتك: يُفترض أن تتذكر دوماً أن الحياة قصيرة كي تعيد حساباتك وتُعدّل تصرفاتك. هل ترغب فعلاً في التجادل مع الآخرين لأسباب سخيفة مثل غسل الأطباق؟ هل يستحق هذا السبب أن تثور غضباً؟

العلاقات الحسنة مع الآخرين تستحق العناء دوماً، فهي مفيدة للصحة أولاً كونها تُخفف الضغط النفسي الذي يترافق مع اضطرابات جسدية مثل الالتهاب المزمن، وقد ينعكس سلباً على جهاز القلب والأوعية الدموية والمفاصل والدماغ.

بشكل عام، تسمح لنا العلاقات مع الآخرين بتجاوز الأوقات الصعبة. حين نعود بالزمن إلى الماضي، سنلاحظ أن الناس تجاوزوا أزمة الحرب العالمية الثانية بفضل علاقاتهم ببعضهم البعض. يجب أن نفكر جميعاً بهذه الحقيقة اليوم ونتصرف على أساسها.


MISS 3