روي أبو زيد

في الذكرى الـ12 على غيابها

سلوى القطريب... نجمة لم تنطفئ!

12 آذار 2021

02 : 00

تربعت سلوى القطريب ملكة على عرش الفن بحضورها المسرحي المميّز، ولم ينطفئ نجم الـ"My Fair Lady" أو "سيدتي الجميلة"، كما لقبت، حتّى بعد رحيلها.

ولدت سلوى القطريب في 17 أيلول 1953 في العاصمة العراقية بغداد، وهي في الأصل من المينا بطرابلس. والدتها فدوى جبور ووالدها عازف العود القدير ومغني الموشحات صليبا القطريب، الذي تعاون مع كبار الملحنين والفنانين أمثال محمد عبد الوهاب، والشيخ زكريا أحمد وكل من عزف على العود في الثلاثينات.

نشأت سلوى على حب الموسيقى في بيت فني ليمنّ الله عليها بصوت لا مثيل له فصقلت موهبتها بمساعدة والدها الذي لقّنها أصول الغناء.

بدأت مشوارها الفني في العشرين من عمرها، وحققت نجاحاً كبيراً بعد لقائها صدفةً بالمؤلف الموسيقي والمخرج المسرحي روميو لحود حين كان خطيب شقيقتها ألكسندرا.

أعجب لحود بصوتها ولفتته طلّتها البهيّة، فشكلا ثنائياً فنياً مميّزاً بدءاً من العام 1974، وقدّما أعمالاً ناجحة في الغناء والمسرح. جسّدت القطريب أدوار البطولة في مسرحياته إلى جانب نخبة من الفنانين الكبار، منهم: أنطوان كرباج، ملحم بركات، إيلي شويري، عبدو ياغي، طوني حنا، غسان صليبا وعصام رجّي، كما تعاملت مع أهم الملحنين ومن بينهم زكي ناصيف وإيلي الشويري وإلياس الرحباني. ومن أهم أعمالها المسرحية "سنغف سنغف"، "بنت الجبل"، "زمرّد" و"أوكسيجين".



في يوم زفافها عام 1979



مسيرة حافلة

عرض عليها "تلفزيون لبنان" المشاركة في مسلسل "شهرزاد"، وكانت هذه الخطوة محطة مهمة في مسيرتها الفنية اذ عُرفت من خلالها في العالم العربي.

كرت بعدها سبحة الأعمال، وانهالت عليها العروض فأحيت مهرجان "مسرح الأندلس" في الكويت عام 1980. وشاركت في مهرجان الأغنية العربية بالجزائر عام 1984. وقدّمت مسرحية "الحلم الثالث" في "معرض بغداد الدولي" لتلبي دعوات وزارات الثقافة في دول عربية عدة منها الأردن، سوريا، الامارات العربية المتحدة لإقامة الحفلات الفنية. كما تألّقت بإطلالتها المميزة في مهرجانات جرش، ومنحت جائزة المهرجان التقديرية عام 1987.

بعد عامين، لبّت دعوة الجالية اللبنانية في لوس أنجليس بالولايات المتحدة الأميركية، وأحيت حفلتين على مسرح "Long Beach Convention Theatre". وشاركت بمهرجان "الأغنية العربية" في أبو ظبي عام 1996 مع أهم الفنانين العرب، مثل ماجدة الرومي، وردة الجزائرية، سميرة سعيد وذكرى. وتخلّل المهرجان مسابقة أفضل أغنية عربية، ففازت بها القطريب لتنال جائزة "الصقر الذهبي" عن أجمل أغنية وهي "ذكريات" من ألحان روميو لحود. أما ظهورها المسرحي الأخير فكان في مهرجانات "بيبلوس" عام 1998 حين قدّمت مسرحية "ياسمين".

في رصيدها الفني أكثر من 120 أغنية، أهمها: "طال السهر"، "خدني معك"، "شو في خلف البحر"، "على نبع الميي"، "بدي غنّي"، "وعدوني"، "قالولي العيد بعيوني"، "اسمك بقلبي"، "سرقني الوقت"، "يمكن بكرا"، "يا رايح"، وغيرها.

نالت القطريب الكثير من الجوائز والدروع والميداليات تكريماً لعطائها الفني المميّز أبرزها: جائزة سعيد عقل عام 1976، جائزة تقدير للعطاء الفني من مدينة لوس أنجليس عام 1989، دروع تقديرية من العماد إميل لحود وإبراهيم طنوس ودرع تكريمي من بلدية عمشيت وميدالية الاستحقاق الذهبي برتبة ضابط من رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان.



الأم الحنون... الحاضرة والمثالية



مثال للأم الحقيقية

فارقت القطريب الحياة في 4 آذار 2009 عن عمر يناهز الـ55 عاماً، بعد اصابتها بنزيف دماغي.

فكيف تتذكّرها ابنتها الين لحود؟ تجيبنا قائلةً: "لعبت والدتي دوراً أساسياً في تربيتي وأوصلتني الى ما أنا عليه اليوم. كانت مثالاً للأم الحقيقية حنونة وحاضرة في كلّ خطوة أقوم بها. كنّا مقرّبتين جداً في كل مراحل حياتي. لم ينقطع الحوار بيننا ووعّتني على أمور كثيرة. حين أتعرّض لموقف ما اليوم، أسترجع ما علّمتني إياه لحل الأمور كما يجب". وتضيف: "أسراري كلّها معها. لم نتشاجر يوماً بالرغم من اختلاف وجهات النظر، وكانت تصغي لآرائي بإمعان فتقتنع أحياناً وتلفت نظري الى أمور غابت عني أحياناً أخرى".

كانت القطريب "ست بيت بإمتياز". تعشق النظافة لدرجة "التسرسب" تقول ألين مردفةً: "كانت تستيقظ باكراً وتحضّر لي "السندويش" قبل الذهاب الى المدرسة. لم يكن تحضير الطعام يستهويها، ورغم ذلك كانت تعدّ اليخاني بطريقة محترفة وتكره تناول الـ"Fast food". تسكت لحود، وتتابع بصوت تتملّكه الغصّة: "كنت أحب تناول الـ"Salade de riz" (سلطة الأرز) من يديها، ولم أتذوّقها منذ غيابها خوفاً من الحنين ومن فقدان طعمها الذي ما زلت أتذكره حتّى هذه اللحظة".



شكّل لحود والقطريب ثنائيّاً فنيّاً ناجحاً



قربها من الله

كانت النجمة الراحلة قريبة من "الله" وانغمست في العمل الكنسي فكانت تنشد تراتيل الآلام في الجمعة العظيمة، وتميّزت بأنشودة "العطاء" من ألحان روميو لحود. أحبت الجلوس دائماً في المقعد الأخير من الكنيسة، لكنّ الناس كانوا يتحلّقون من حولها أينما حلّت.

تخبر ألين أنّ والدتها مؤمنة الى أقصى الحدود. وكانت تخصّص وقتاً للصلاة يومياً وتقرأ الكتب الروحية. وتتابع حديثها مردفةً: "كانت "بيتوتية" وقنوعة. تحلّت بسلام داخلي وعاشت إيمانها وتشبّعت منه. لكن البعض فسّر خجلها على أنه تكبر. الّا أنّ العكس هو الصحيح. ما أحبت يوماً أن تعيش النجومية، وكانت تقول لي دائماً: "إذا نحن تحت الأضواء مش يعني صرنا أهم من العالم".



ألين لحود: كنّا أنا وأمي صديقتين مقرّبتين



كيف كانت اللحظات الأخيرة قبل وفاتها؟

"يومها كنا في البيت، شعرت بدوار وغثيان وتعب. دخلت الحمام لتنظف أسنانها ففقدت توازنها وصرخت طالبةً مساعدة والدي" تسرد لحود. وتتابع: "وصلنا الى المستشفى ودخلت في غيبوبة، وبعد إجراء الفحوصات تبيّن معاناتها من نزيف حاد في الدماغ. مرضها كان فجائياً وحالتها نادرة جداً. بقيت ثمانية أيام في العناية الفائقة قبل أن تموت".

تشتاق ألين الى كل تفاصيل والدتها... لرائحتها وغمرتها وحديثها. تقول: "كنت أحب أن ألعب بشعرها. كان أصدقائي يستشيرونها في مواضيعهم وبعضهم يزورها أثناء غيابي".

تشعر ألين بحضور أمها القوي حتى في غيابها. وهي تظهر في أحلام أشخاص غير مقربين منها، موجهةً لها الرسائل. تخبر لحود وتسرد واقعة غربية عاشتها: "إتّصل بي في يوم من الأيام المخرج فادي حنا وقال لي بصوت متهدّج: "رأيتُ والدتك في الحلم وطلبت مني إبلاغك بأمر ما" وبالفعل أبلغني رسالتها. لكنّ المفارقة أنّ أحداً لم يكن يعلم بالموضوع غيري". وتضيف: "أصلي لها قبل قبول أو رفض أي عرض جديد، وتصلني اشارة منها دائماً لحسم هذا الموضوع". وتختم قائلةً: "لم تهملني والدتي يوماً. كانت حاضرة دائماً في حفلات نهاية السنة وفي بطولاتي بالجري. أنا محظوظة بها وأطلب من الفنانات أن يبقين الى جانب أولادهن ولا يدعن العمل يأخذهنّ من عائلاتهنّ".


MISS 3