جيمس مارشال

دماغ النحل... مصدر إلهام لتطوير الذكاء الاصطناعي

13 شباط 2021

المصدر: New Scientist

02 : 00

أين هي جميع الروبوتات الذكية؟ رغم التقدم الهائل الذي يشهده مجال الذكاء الاصطناعي في الفترة الأخيرة، لن تصبح الروبوتات المستقلة قادرة على تلبية جميع أوامرنا قبل مرور وقت طويل. لبلوغ تلك المرحلة، نحتاج إلى ثورة حقيقية في عالم الذكاء الاصطناعي ويبدو أن الحشرات ستكون جزءاً محورياً منها.

ظهرت الأفكار الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي على مر موجات عدة. في البداية، انتشرت الفكرة القائلة إن اختراع آلة ذكية يتطلب كتابة ما يكفي من القواعد كي تلتزم بها تلك الآلة. اقتنع الكثيرون بهذه المقاربة خلال الخمسينات والستينات، لكن سرعان ما اتضحت حدودها لأن المواقف التي يسهل تقسيمها إلى قواعد أساسية تبقى بعيدة المنال. يمكن ابتكار آلة تلعب الشطرنج مثلاً، لكن لا يمكن في المقابل اختراع آلة للتعرف على محتوى الصور.

بدأت الموجة الثانية خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، تزامناً مع انطلاق تقنية "التعلم العميق". بدل تطبيق القواعد لإتمام مهام محددة، تُنفّذ هذه الأنظمة قواعد تسمح لها بتعلّم طريقة إتمام المهام بنفسها. تعود هذه المقاربة إلى فترة الثمانينات، لكنها لم تبدأ إعطاء مفعولها قبل ظهور القوة المحوسبة والبيانات. تُقلّد هذه الأنظمة القشرة البصرية لدى الرئيسيات، وتبرع في محاكاة الإدراك البشري عبر التعرّف على الصور مثلاً. هذه الموجة سمحت بظهور مساعدين رقميين، مثل "أليكسا" من إنتاج "أمازون".

لكنّ الذكاء لا يقتصر على القشرة البصرية. قد تجيد أنظمة الحلول الحسابية التي ظهرت خلال الموجة الثانية إتمام مهمة واحدة، ثم تفشل بالكامل في تنفيذ مهمة مختلفة لكن مشابهة. يُفترض أن يتمكن أي روبوت فاعل من استعمال المعلومات التي يعرفها وتعديلها عند الحاجة للتعامل مع المسائل التي لم يصادفها سابقاً.

أما الموجة الثالثة، فلم تتحدد بعد. لكن يُفترض أن نكتشف الجزء الأخير من الأحجية عبر التعلم من الطبيعة.

لنتكلم عن نحل العسل مثلاً. تجيد هذه الكائنات الصغيرة التنقل في بيئتها على نحو استثنائي، وتستطيع أن تتفاعل مع مواقف جديدة وغير مسبوقة وتتبنى مجموعة واسعة من التصرفات المختلفة. لكنها تُحقق هذه الأهداف كلها رغم وجود مليون خلية عصبية فقط في أدمغتها الضئيلة. في المقابل، قد يحتاج الذكاء الاصطناعي المبني على التعلّم العميق إلى مئات آلاف أو حتى ملايين "الخلايا العصبية" لأداء مهمة واحدة.

تكثر المعلومات التي يجب اكتشافها بعد حول أدمغة الرئيسيات، لكن تسمح الحشرات للعلماء بالاقتراب من إعادة ابتكار أدمغتها عبر استعمال البرمجيات. يعمل الباحثون منذ فترة على إعادة إنتاج دماغ نحل العسل المصنوع من السيليكون.

حتى الآن، يمكن استعمال الهندسة العكسية من النظام البصري ومراكز الملاحة والذاكرة. سمح هذا العامل للعلماء بابتكار طائرة "درون" مستقلة في المختبر وفيها رقاقة لتوجيه المركبة وتجنب العقبات أثناء تحليقها. تكون أنظمة الحلول الحسابية المبنية على الهندسة العكسية فاعلة جداً، ما يعني استخدام حوالى 1% من القوة المحوسبة في التعلّم العميق تزامناً مع زيادة السرعة بأكثر من مئة مرة. كذلك، أصبحت هذه الأنظمة أكثر قدرة على التعامل مع ظروف غير مألوفة، على غرار ما يفعله الدماغ الحقيقي. لإتمام هذه المقاربة، تقضي الخطوات المقبلة باستعمال قدرات إضافية من دماغ النحل مع السيليكون وإخراج طائرات "درون" من المختبر. إنه المسار الذي تسعى شركة Opteran Technologies إلى إطلاقه في الوقت الراهن.

يُفترض أن تنتج هذه الأنظمة المبنية على دوائر دماغية معكوسة هندسياً بفعل الطبيعة نسخاً قوية وفاعلة جداً من أنظمة الحلول الحسابية التي تسمح بالتنقل في العالم الحقيقي. ستستفيد الروبوتات التي تستخدمها من التطور الحاصل على مر مئات ملايين السنين. قد تكون الموجة المقبلة من تقدّم الذكاء الاصطناعي في متناول اليد إذاً.

MISS 3