ريتا ابراهيم فريد

رسَم جدارية لشهداء مرفأ بيروت

شمس الدين بلعربي يوجّه رسالة محبّة من الجزائر إلى لبنان

14 نيسان 2021

02 : 00

من الجزائر الى لبنان، رسالة تضامنية وجّهها الفنان التشكيلي الجزائري شمس الدين بلعربي على طريقته الخاصة، حيث جسّد صور ضحايا انفجار الرابع من آب في جدارية رسمها بكلّ حب، عبّر من خلالها عن مشاركته الحزن والألم لأهالي الضحايا. "نداء الوطن" تواصلت مع بلعربي المعروف بـ"شمسو"، الذي كان قد انطلق نحو العالمية ووصل الى هوليوود بفضل رسوماته وملصقات الأفلام السينمائية التي يصمّمها. كما أنّه يعدّ آخر عربي وأفريقي لا يزال محافظاً على تصميم هذه الملصقات بالطريقة الكلاسيكية.

لماذا اخترت حدث انفجار مرفأ بيروت كي ترسم جدارية عنه؟

بيروت عاصمة عربية موجودة في قلب كل عربي أصيل. وانفجار الرابع من آب حدث مؤلم جداً هزّ ضمائر العالم، وفتّت القلوب حزناً أمام هول الكارثة. أنا بدوري تألمتُ كثيراً مع ألم أهالي بيروت. وبطبيعتي كفنّان، لم يكن أمامي سوى ترجمة إحساسي من خلال الرسم. فقررّتُ أن أكون صادقاً تجاه الضحايا الذين سقطوا في هذا التفجير كي يكونوا ذاكرة وصورة، وألّا يبقوا مجرّد رقم. فحاولتُ أن أكرّمهم على طريقتي الخاصة وبمجهودي الشخصي، وباشرتُ بالتحضير لرسم الجدارية تخليداً لذكراهم، وشدّدتُ على أن تشمل صور جميع الشهداء.

كيف تلقّيت خبر انفجار مرفأ بيروت؟

كان خبراً مروّعاً شعرتُ تجاهه بحزن عميق. وحين رأيتُ المقاطع المصوّرة للانفجار وشاهدتُ صور الضحايا على الأرض ومنهم من ملأ وجهه الغبار والدم، أحسستُ أنني موجود معهم في بيروت. بالفعل كان مشهداً رهيباً جداً يحبس الأنفاس، وهذا ما دفعني لرسم تلك اللوحة.

ماذا تعني لك بيروت؟ وهل سبق وزرتها؟

تجمعني صداقات عدة بأصدقاء من بيروت، هذه المدينة التي أحبّ. وكلّ معارفي من اللبنانيين أشخاص طيبون جداً ويتمتّعون بقدر عالٍ من المحبة والصدق. لم يسبق لي أن زرتُ بيروت للأسف. لكنّ حلمي ومشروعي المقبل أن أزورها وأن أقيم معرضاً للوحاتي فيها... سأسعى الى تنظيم معرض شامل يجمع بين اللوحات الفنية وملصقات الأفلام السينمائية.


لماذا اكتفيت بالحبر الأزرق الجافّ لرسم الجدارية؟

فعلياً رسمتُها بالقلم الأسود الجافّ وليس الأزرق. لكن حين التقطت الصورة الفوتوغرافية لها، ظهر لونها مائلاً الى الأزرق القاتم بتأثير الضوء. واختيار هذا اللون كان أمراً متعمّداً كرسالة فنية للتعبير عن حزني تجاه هذه الحادثة المأسوية.

هل سبق وقدّمت أعمالاً فنيــــــــة في ظروف مأسوية مشابهة؟

نعم سبق ورسمتُ جدارية لشهداء التفجيرات النووية الذين سقطوا في الرقان في الجزائر خلال حقبة الستينات. كان الحدث مأسوياً جداً أيضاً. ومعظم الضحايا غير معروفين. لكنّي حاولتُ أن أجمع أكبر عدد ممكن من الصور لهم وأضفتها الى صور المصابين والمعطوبين الذين لا يزالون يعانون بصمت حتى اليوم، خصوصاً الأطفال الذين ولدوا بعاهات وتشوّهات خلقية.

تنفيذياً مع من تواصلت للحصول على الصور؟

وما هي الصعوبات التي واجهتك؟حصولي على الصور كان أمراً متعباً جداً وشبيهاً بالتحرّي. كنتُ مصرّاً على التأكّد من صورة كلّ شهيد كي أكون صادقاً معه. وهذا الأمر سبّب لي إرهاقاً كبيراً. إلا أنني استطعتُ جمع عدد كبير من الصور من خلال وسائل الإعلام العربية والعالمية، أو من خلال الإنترنت.

كما تواصلتُ عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع أهالٍ وضحايا أصيبوا أو تأثّروا بالإنفجار. وهكذا استطعتُ أن أجمع صوراً لجميع الشهداء، باستثناء المصابين الذين كانوا في المستشفى ثمّ توفوا في ما بعد للأسف.

متى بدأت بجمع الصور؟ وكم استغرق الأمر وقتاً كي تنجز اللوحة؟

بدأتُ بجمع صور الضحايا بعد فترة قصيرة من تاريخ الانفجار. والبحث عن هذه الصور هو الذي استغرق مني وقتاً كبيراً. لكنّي أنهيتُ رسم اللوحة في خمسة أيام، حيث كنتُ أعمل بشكل مستمرّ من الصباح حتى المساء، حتى أتممتُها.

ماذا ستفعل بهذه الجدارية؟

أنوي إقامة معرض يضمّ لوحاتي وملصقاتي السينمائية وأن أعرض اللوحة فيه. وأتمنى أن أزور بيروت قريباً وآخذ معي هذه اللوحة.

هل تواصل معك فنانون أو مسؤولون سياسيون من لبنان؟

حتى الآن تواصل معي فقط صحافيون. ربّما لأنّ الرسالة لم تصل بعد الى المسؤولين، أو ربّما لأنّ اللوحة لم تقدّم بعد رسمياً ضمن معرض فنّي. على أمل أن تُحدث في القريب العاجل صدى تضامنياً، وتحمل معها رسالة محبة من الجزائر الى لبنان.

كيف يمكن لهذا العمل الفني أن يواسي أو على الأقلّ أن يخفّف قليلاً من مأساة أهالي الضحايا؟

هدف هذا العمل أن يشعر أهالي الضحايا أنهم لا يتألّمون وحدهم. بل هناك شعوب عربية تشاركهم حزنهم وهناك فنانون قلوبهم وجوارحهم مع لبنان ومع أهالي بيروت. أتمنّى أن يخفّف ذلك قليلاً من وطأة الحزن عنهم.

هل من كلمة منك الى الشعب اللبناني؟

أنا أحبّ لبنان كثيراً لأنّه وطن يحضن الفنّ والفنانين ويقدّر الثقافة. كما أنّ الشعب اللبناني صبور جداً ومقاوم الى أعلى الدرجات. وبالرغم من كل المآسي التي يمرّ بها، إلا أنه في كلّ مرة ينجح بالنهوض أكثر قوّة وأكثر حماسة لحبّ الحياة ولخدمة هذا الوطن الكبير.


MISS 3