جاد حداد

هل من رابط بين "كورونا" و"الباركنسون"؟

11 أيار 2021

02 : 00

ظهرت أعراض مشابهة لمرض الباركنسون لدى بعض المصابين بفيروس "كوفيد - 19"، ولو في حالات نادرة. هذه الظاهرة دفعت الباحثين إلى تحليل المعطيات لرصد أي رابط محتمل بين الحالتَين.

منذ بدء انتشار الوباء، تابع العلماء البحث عن معلومات وافية حول طريقة تأثير "كورونا" على الجسم. في هذه المرحلة، يعرف الباحثون وخبراء الرعاية الصحية أن تلك الآثار تتجاوز نطاق الجهاز التنفسي. قد تؤثر عدوى "كورونا" المستجدة على أعضاء أخرى، منها القلب والدماغ والكلى والبشرة.

في تشرين الثاني 2020، ذكرت مقالة نشرتها مجلة "ذا لانسيت" لعلم الأعصاب أن 65% من المصابين بفيروس "كوفيد-19" واجهوا مشكلة فقدان حاسة الشم أو تغيّرها، علماً أن هذا المؤشر هو جزء من أعراض مرض الباركنسون. ذكرت المقالة نفسها ثلاث حالات حيث شعر الناس بأعراض مشابهة للباركنسون بعد التقاط فيروس كورونا، مع أنهم لم يحملوا أي عوامل خطر مُسبّبة لهذه الحالة.

دفعت هذه الحالات بالعلماء إلى التشكيك بوجود رابط بين "كورونا" و"الباركسنون" أو أعراض هذا المرض على الأقل. ما الذي يعرفه العلماء حتى الآن حول الرابط المحتمل بين العاملَين؟

"الباركنسون" مرض عصبي بطبيعته. تظهر أعراضه ببطء وهو يتطور مع مرور الوقت. تتعدد أعراضه المحتملة، منها الرجفة، والتصلّب، وصعوبة الحفاظ على التوازن والمشي والتكلم وتنسيق الحركات.

وبما أن هذا المرض يصيب الدماغ، يختبر المصابون به أيضاً تغيرات سلوكية وقد يواجهون مشاكل أخرى مثل التعب واضطراب الذاكرة والنوم.

تنجم هذه الحالة عن اختلال الخلايا العصبية المسؤولة عن السيطرة على الحركات. كذلك، تشمل عوامل مؤثرة أخرى تراجع مستويات الدوبامين أو النورإبينفرين واحتمال وجود أجسام ليوي (تجمّع كتل غريبة من البروتينات) في الدماغ. يقول العلماء إن العوامل الوراثية والبيئية تطلق هذه التغيرات على ما يبدو، ما يؤدي إلى نشوء المرض.

تُسمى حالة مختلفة من الباركنسون "الشلل الرعاش". يواجه المرضى في هذه الحالة أعراضاً مشابهة لمرض الباركسنون، لكن تكون الأعراض هذه المرة غير نمطية. غالباً ما تترافق الحالة مع اضطراب آخر وقد تتعدد أشكالها: قد يصاب المريض بالرعاش الوعائي أو بنوعٍ تُسببه الأدوية.

رابط محتمل بين الشلل الرعاش والعدوى الفيروسية؟

نظراً إلى رصد أعراض مشابهة للباركنسون لدى المصابين بالإنفلونزا، طرح بعض العلماء فرضية حول احتمال أن ترتبط أنواع من الشلل الرعاش بأسباب فيروسية. لاستكشاف هذا الرابط المحتمل، راجع الباحثون حالات الأمراض الفيروسية التي أدت إلى أعراض مشابهة لـ"الباركنسون". نُشرت نتائجهم في مجلة "حدود في علم الأعصاب".

قيّم العلماء بيانات مرتبطة بعدد من الفيروسات، بما في ذلك الإنفلونزا، وفيروس الهربس البسيط 1، وإبشتاين بار، والحماق النطاقي، والتهاب الكبد "ج"، والتهاب الدماغ الياباني، وفيروس غرب النيل، وفيروس نقص المناعة البشرية. لاحظ الباحثون أيضاً أن الشلل الرعاش تطور لدى بعض الناس خلال وباء الإنفلونزا في العام 1918. ربما تزامن الحدثان من باب الصدفة، لكن لم يظهر بعد رابط سببي مباشر بين الإنفلونزا والشلل الرعاش.

منذ ذلك الحين، رُصدت أعراض الشلل الرعاش لدى المصابين بالإنفلونزا، بما في ذلك الرجفة واختلال المشية، وكانت الأعراض تظهر في معظم الحالات بعد الأسابيع الأولى على التقاط العدوى. يهتم العلماء تحديداً بدور الإنفلونزا "أ" في ظهور الأعراض المشابهة لـ"الباركنسون".

يتوقع الباحثون أن يظهر الشلل الرعاش في حالات نادرة تزامناً مع عدوى الإنفلونزا الحادة بسبب العملية الالتهابية المرتبطة بالاستجابة المناعية الجسدية تجاه التهديدات الفيروسية. هذا ما دفع البعض إلى الاقتناع بوجود رابط محتمل بين الشلل الرعاش والإصابة بفيروسات أخرى، منها فيروس كورونا المستجد.

أعراض "الباركنسون" لدى مرضى "كوفيد - 19"؟

وفق أحدث البيانات المنشورة في مجلة "ذا لانسيت" لعلم الأعصاب في 27 تشرين الثاني 2020، واجه ثلاثة مصابين بفيروس "كوفيد - 19" أعراضاً مشابهة لـ"الباركنسون".

لاحظ رجلان (45 و58 عاماً على التوالي) وامرأة عمرها 35 عاماً تباطؤ حركاتهم تزامناً مع تصلّب العضلات وتشنّجها وعدم انتظام حركة العين ونوبات من الرجفة. سجّل المشاركون الثلاثة تراجعاً في مسار الدوبامين داخل الدماغ خلال الفحوصات بتقنيات التصوير. تجاوب اثنان منهم بطريقة إيجابية مع الأدوية وتعافى أحدهم من تلقاء نفسه. لم يحمل أيٌّ منهم تاريخاً عائلياً أو مؤشرات عيادية خاصة بـ"الباركنسون" قبل الإصابة بالمرض.

ما وراء الأعراض المشابهة لـ"الباركنسون"؟

طوّر العلماء ثلاث نظريات حول الآليات المرتبطة بظهور الشلل الرعاش بعد التقاط عدوى "كورونا" ووصفوا فرضياتهم في مجلة "النزعات في علم الأعصاب".

أولاً، من المعروف أن فيروس كورونا يُسبب مضاعفات وعائية في الدماغ وأعضاء أخرى، ويظن العلماء أن هذه العملية قد تسيء إلى المسارات الدماغية. هذا الضرر يشبه ما يحصل عند تطور الشلل الرعاش الوعائي.

ثانياً، قد يُسبب الالتهاب الناجم عن الاستجابة المناعية تجاه عدوى "كورونا" الشلل الرعاش نظراً إلى وجود رابط معروف بين الالتهابات وزيادة مخاطر الإصابة بمرض "الباركنسون".

كشفت الدراسات أيضاً أن بعض المصابين بفيروس "كوفيد-19" يحمل مستويات مرتفعة من بروتين الإنترلوكين-6 المناعي، فضلاً عن اختلال مسار الكينورينين. ترتبط هاتان الآليتان بمرض "الباركنسون".

كذلك، قد تفسّر طبيعة "كورونا" العصبية الغازية وجود رابط محتمل بين "كوفيد - 19" والشلل الرعاش. إكتشف الباحثون حمضاً نووياً ريبياً فيروسياً في النسيج الدماغي الخاص بأشخاص ماتوا بسبب كورونا، ما يثبت أن الفيروس ربما غزا خلايا الدماغ ومساراته.

في غضون ذلك، تذكر أبحاث أخرى أن تطور مرض الباركنسون قد يبدأ في نظام حاسة الشم. وبما أن فيروس "كوفيد-19" يترافق أحياناً مع فقدان هذه الحاسة، يتساءل العلماء حول قدرة الفيروس على الوصول إلى المسارات الدماغية المرتبطة بمرض الباركنسون. يفترض الباحثون أيضاً أن عدوى "كورونا" قد تكشف عن وجود "الباركنسون" قبل ظهور أعراضه. أو ربما تُسرّع العدوى تطور المرض لدى الأشخاص المعرّضين له وراثياً.

الأبحاث مستمرة

لا تزال الإصابة بالشلل الرعاش تزامناً مع "كورونا" نادرة جداً في الوقت الراهن، لكن يظن العلماء أن ظهور هذه الأعراض المرتبطة بفيروس "كوفيد - 19" يستحق الاستكشاف.

يوصي الباحثون بمراقبة الأعراض المشابهة لـ"الباركنسون" عن قرب لدى مجموعة واسعة من مرضى كورونا. من خلال رصد الرابط المحتمل بين الشلل الرعاش و"كوفيد-19"، قد يتمكن العلماء من فهم هاتين المشكلتَين الصحيتَين وتطوير علاجات أكثر فاعلية.

في الوقت الراهن، لا تزال معظم المعلومات مجهولة حول الرابط المحتمل بين "كورونا" والشلل الرعاش، وقد بدأ العلماء للتو يحققون بهذه الظاهرة النادرة وغير المفهومة.


MISS 3