يوسف مرتضى

بايدن يُهادن روسيا ليتفرّغ للصين

24 أيار 2021

02 : 00

لم يخف الرئيس جو بايدن في خطاب تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في كانون الثاني الماضي نية إدارته بالعودة إلى نظام القطب الواحد، أي قيادة أميركا للعالم. ويواجهه في هذا التحدّي دولتا روسيا والصين. ومواجهتهما تفترض في حساب إدارة بايدن استفراد كل منهما على حدة ومنع تحالفهما. وكانت أولى خطواته تجسيداً لذلك، إعادة إحياء وتنشيط مؤسسات الحلف الأطلسي، وإعادة الحرارة المعهودة للعلاقة والشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي بعد أن شهدت برودةً وتوترات في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وعيّن بايدن في هذا السياق رئيساً للديبلوماسية الأميركية أنتوني بلينكن، وهو من أصول أوكرانية ومعروف بعدائه المفرط للروس. ولم يكن قد مضى شهران على تنصيبه حتى أطلق بايدن تصريحاته النارية والبعيدة عن أي لغة ديبلوماسية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفاً إياه بالمجرم، من خلفية تقارير مخابراتية أميركية عن تدخلات روسية مؤكدة في الإنتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016 التي أوصلت صديق بوتين والند اللدود لبايدن، ترامب، إلى سدة الرئاسة. وكذلك بروز تقارير مخابراتية عن تمويل الروس لعمليات عسكرية أودت بحياة جنود أميركيين في أفغانستان. وفي الوقت نفسه، تحرّكت أساطيل حربية أميركية وأطلسية في البحر الأسود وبحر البلطيق في شهر آذار الماضي، كرسائل تحذير للقوات الروسية من مغبة استثمار المناورة العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا الشرقية في شهر نيسان الفائت، وتحويلها إلى هجوم لاجتياح الغرب الأوكراني وصولاً إلى بولونيا والمجر، بعدما أطلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي النفير مستغيثاً بالحلف الأطلسي.

وعلى الرغم من إعلان القيادة الروسية عن انتهاء المناورة العسكرية على حدود أوكرانيا وسحب العديد من القوات من الجبهة، إلّا أن التقارير المخابراتية بقيت ترصد وجوداً عسكرياً روسياً، كمّاً ونوعاً، يُقلق دوائر الحلف الأطلسي من أن تكرر روسيا مع أوكرانيا تجربة مواجهتها للجيش الجورجي اثر هجومه على أوسيتيا الجنوبية في 8/8/2008.

هذه التطورات تأتي على مشارف دورة انتخابية صينية جديدة في العام 2022 وتشمل تايوان، حيث يتنامى الصراع الداخلي هناك بشكل جدّي، والمرتبط بمستقبل استقلال الجزيرة وسعي الصين إلى استعادتها. ومع وصول الديموقراطيين إلى السلطة في الولايات المتحدة، الذين لديهم علاقات مباشرة مع مجموعات تايوانية، يتمّ وضع الرهان على تقويض الوضع من الداخل، وزيادة الضغط، بما في ذلك العقوبات على مجموعات النخبة حول الرئيس الصيني شي جينبينغ. إن مجرّد وجود تايوان، في شكلها الحالي، هو بمثابة قنبلة مزروعة بعمق في قلب العالم الصيني. الأمر الذي تراه القيادة الصينية من الزاوية العسكرية - الإستراتيجية كنقطة انطلاق لضرب الصين القارية ونشر خط كامل من قوات الصواريخ الأميركية لمرافقتها. إذا قام النظام الحالي الموالي لأميركا بالإصلاحات والتغييرات التشريعية المتعلّقة بإعلان الإستقلال وتحديد الهوية الذاتية لسكان الجزيرة، فسوف تواجه الصين مشكلات هائلة في المستقبل القريب.

في مثل هذا الجو، من غير المستبعد أن تقدم قيادة بكين على استنهاض القوى المناهضة للإستقلال في تايوان. وبحسب مراقبين مطّلعين، هذه القوى على استعداد لاستقبال جيش التحرير الشعبي الصيني بالزهور في محاولة لاستبدال نظام الحكم المؤيد للغرب. فالمشاعر القومية قوية، وإن لم تكن شاملة، في جيش الجزيرة الحالي، وفق تقديرات القيادة الصينية. وفي حال وقوع ذلك، قد يؤدّي عامل التآزر بين إدارة بايدن والقوى المحلّية الموالية لأميركا إلى تأثير سلبي للغاية على الصين نتيجة لسلسلة من التغييرات التشريعية والدستورية، خصوصاً عندما تظهر مجموعات عرقية جديدة من "غير الصينيين"، لتُطلق موجة انفصالية مدمّرة لوحدة الصين.

إنّ لمّ شمل الصين مع تايوان يشبه "ربيع القرم" بالنسبة إلى روسيا بكل معنى الكلمة. فدور هذه الجزيرة الكبيرة هو بمثابة حاملة طائرات غير قابلة للغرق، وتغيير الموقع الجغرافي الإستراتيجي بشكل جذري في المنطقة بأكملها هو أمر خطر جداً بالنسبة إلى الصين. من هذه الخلفية، فتحت قنوات اتصال للتعاون الإستراتيجي بين بكين وموسكو، تسعى الصين من خلالها إلى حماية روسية لها من حصار أميركي غربي لها في مجالَيْ الطاقة والغذاء. الأمر الذي بدأت ترجمته باستنفار جميع أفراد قوات السكك الحديدية الروسية تقريباً للمشاركة بشكل عاجل في بناء خط الـBAM كشريان نقل استراتيجي بين البلدَيْن.

هذا المشهد من تطوّر العلاقات الروسية - الصينية أقلق الإدارة الأميركية المتوثبة لاستجماع قواها وتركيز اهتمامها على وقف اندفاعة العملاق الصيني والدب الروسي، وإشغالهما بملفات تستنزف قدراتهما الإقتصادية وتُهدد بنيتهما الجيوسياسية. وبهدف وقف اندفاعة التقارب بين موسكو وبكين، بادر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الاتصال بوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، والتقيا في جولة مباحاثات تمهيدية في أيسلند في الـ19 من الجاري، تحضيراً لاجتماع قمة بين بوتين وبايدن في شهر حزيران المقبل على هامش "قمة العشرين". وأقرّ الفريقان أن الاختلافات كبيرة بينهما، غير أن ذلك لا يمنع من التواصل والبحث المشترك في قضايا العلاقات الثنائية والدولية الشائكة، للتوصّل إلى تفاهمات حولها تحدّ من حالة التوتر التي تُسيطر على المشهد الدولي الراهن.

هل ستنجح جهود الإدارة الأميركية في منع قيام تحالف استراتيجي بين الصين وروسيا للتفرّغ لمواجهة الصين في المرحلة المقبلة، بعدما انسحبت من الشرق الأوسط وسلّمت إدارة دفته للاتحاد الأوروبي ومتابعته عن بُعد ومن الخلف؟ من الناحية النظرية، وما هو متوفر من معطيات، فإنّ الجانب الروسي يميل إلى المهادنة وتجنّب فورة العقوبات التي ستفرض على الصين، ما قد يسمح لها بإنشاء خلفية ميسرة لمساعدة الأمبراطورية الصينية واستمرار الخطوط مفتوحة مع واشنطن لمنع تدهور الأوضاع ذات الطبيعة الحساسة الأمنية والجيوسياسية بالنسبة إلى روسيا، كما في أوكرانيا وشمال القوقاز وبيلاروسيا وسوريا، وحتى في الداخل الروسي. ولكن ماذا لو لم تنجح تلك المحاولات الأميركية وقرّرت موسكو وبكين توجيه ضربات مباشرة أو عبر الأدوات للولايات المتحدة وأدواتها في الوقت عينه؟ ماذا لو اقتضت مصلحة الفريقين الروسي والصيني للهجوم على جبهتين في وقت واحد؟ في الواقع، هي أسئلة مطروحة والإجابة عليها من توفر معطيات محدّدة ستكون من قبيل توقعات العرّافين! العالم بلا أدنى شك يقبع على صفيح ساخن ومأزوم ومحتقن بما في ذلك اقتصادياً بسبب جائحة "كورونا"، وكلّ الاحتمالات واردة، ومن يعش يرَ!


MISS 3