مواقع التواصل الاجتماعي تزيد وحدتك؟

14 : 45

مواقع التواصل الاجتماعي تجعلك وحيداً وكئيباً بقدر ما يجعلك الأكل المفرط بديناً! هذا الرابط صحيح، لكنه لا ينطبق على جميع الناس ولا يدوم أثره إلى الأبد! لا بأس باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي باعتدال. لكن كما يحصل عند تبني حمية غنية بمأكولات بلا قيمة غذائية، تتضرر الصحة نتيجة الإفراط في استخدام تلك المواقع. لذا من الأفضل أن تحصر مدة استعمالها!

وفق دراسة شائعة أجرتها جامعة "بنسلفانيا" ونشرتها "مجلة علم النفس الاجتماعي والعيادي" في عدد كانون الأول 2018، تكشف أحدث الأبحاث أن الاكتفاء باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي لثلاثين دقيقة يومياً قد يؤدي إلى تحسن ملحوظ في مستوى الراحة الشخصية. استعان الباحثون بـ143 طالباً جامعياً، واكتشفوا أن حصر استعمال "فيسبوك" و"إنستغرام" و"سناب شات" بثلاثين دقيقة يومياً، طوال ثلاثة أسابيع، ساهم في تقليص مشاعر الوحدة والاكتئاب. في المقابل، لم تغيّر المجموعة المرجعية شيئاً في طريقة استعمالها لتلك المواقع.

لاحظ الباحثون ظاهرة أخرى: يبدو أن مجرّد التنبه إلى مدة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يعطي نتائج إيجابية. سجّل الطلاب تراجعاً ملحوظاً في مستوى القلق والخوف من تفويت الأخبار. يشتق هذا الأثر الجانبي من توسيع هامش الرقابة الذاتية. يقول أحد المشاركين في الدراسة: "نجحتُ في تقليص مدة استعمال مواقع التواصل الاجتماعي فزادت سعادتي... يمكنني أن أركّز الآن على الدرس ولم أعد أهتم بالقدر نفسه بما يفعله الآخرون".

خطوات فاعلة لتنظيم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي

يدعو البحث الجديد إلى التركيز على طريقة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واكتشاف الدور الذي تؤديه في حياتنا. لا بأس بالاطلاع سريعاً على ما يفعله الآخرون، أو مواكبة المناسبات الاجتماعية المهمة. لكن من غير الصحي أن نراقب تلك المواقع لرؤية ما ينقصنا في حياتنا. تنبه إذاً إلى مدة وطريقة استخدامها.

ابدأ بالتساؤل صراحةً عن السبب الذي يجعلك تراقب منشورات "فيسبوك" أو "إنستغرام" أو "سناب شات". هل تعوّض بهذه الطريقة عن نشاط يمكنك فعله على أرض الواقع؟ تتعدد الخيارات الصحية البديلة، منها زيارة الأصدقاء، أو قراءة كتاب، أو التنزه في الطبيعة، أو المشاركة في حصص تصوير أو كتابة أو طبخ... حدّد ما يدفعك إلى استعمال مواقع التواصل الاجتماعي واكتشف خيارات صحية لتلبية حاجاتك الكامنة.

يجب أن تعرف أيضاً أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست متساوية. تحث منشورات "فيسبوك" بطبيعتها على إقامة المقارنات وتحمل طابعاً "فوقياً" يجعلنا نقارن حياتنا بالآخرين. يسمح "إنستغرام" من جهته بالتعبير عن الذات بطريقة أكثر ابتكاراً من خلال الصور. أما "تويتر"، فقد يكون مدمّراً حين يطغى عليه أصحاب التعليقات السيئة، ومع ذلك يبقى أفضل خيار لإقامة المحادثات. على صعيد آخر، تكون تطبيقات المواعدة وسيلة لإقامة علاقة عاطفية قيّمة، لكن يفقد البعض توازنه بسبب الرفض المتكرر. احرص إذاً على اختيار المنصة المناسبة بحذر. يجب أن تساعدك هذه الوسائل على تطوير علاقات اجتماعية صادقة وتقودك إلى عالم إيجابي يرحّب بك. هذا هو الهدف الأصلي من ظهور مواقع التواصل الاجتماعي.

أخيراً، تعرّف على حقيقتك قبل أن تستعمل أي موقع. يكون بعض الأشخاص أكثر عرضة للوحدة، لا سيما طلاب الجامعات. تلقي الضغوط الجامعية بثقلها على الطالب الذي يفتقر إلى شبكة اجتماعية لمساعدته على محاربة الأفكار السلبية. وفق استطلاع شمل حوالى 48 ألف طالب جامعي في العام 2017، اعترف 64% منهم بأنهم شعروا بـ"وحدة شديدة" في آخر 12 شهراً. إذا لم تمنحك مواقع التواصل الاجتماعي مشاعر إيجابية دافئة، إبدأ بتقليص مدة استعمالها!

رصدت دراسة جامعة "بنسلفانيا" رابطاً سببياً واضحاً بين تراجع استعمال تلك المواقع وتلاشي مشاعر الوحدة والاكتئاب. لكن يشير الباحثون إلى مفارقة كبرى وغير مفاجئة على الأرجح: "من اللافت أن يسهم الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي في تخفيف الوحدة والاكتئاب كونها وعدت في الأساس بتسهيل تواصلنا مع الآخرين"!


MISS 3