جاد حداد

مكمّلات الفيتامين D قد لا تحميك من فيروس كورونا!

12 حزيران 2021

02 : 00

يريد الجميع طبعاً إيجاد مكملات آمنة ورخيصة وسهلة الاستعمال لحماية الناس من فيروس كورونا والأمراض الحادة. لكن لا تزال الأدلة المرتبطة بقدرة الفيتامين D على الوقاية من فيروس "كوفيد-19" مختلطة حتى الآن.

يُعتبر هذا الفيتامين أساسياً للحفاظ على عظام وعضلات صحية، لكن تشير معطيات وافية أيضاً إلى قدرته على حماية الناس من التقاط أي عدوى تنفسية.

نظرياً، قد يحمي هذا الفيتامين من "كوفيد - 19" الذي يدخل في المبدأ في خانة العدوى التنفسية. تتعلق أدلة إيجابية أخرى بالاستنتاج القائل إن الأشخاص المعرّضين لنقص الفيتامين D، بما في ذلك كبار السن، والبدينين، وأصحاب البشرة السوداء أو المنتمين إلى العرق الآسيوي، يحملون قابلية للإصابة بفيروس كورونا.

ترصد دراسة غير منشورة بعد رابطاً بين مستويات الفيتامين D لدى سكان 20 بلداً أوروبياً وعدد الإصابات بفيروس "كوفيد - 19" وحالات الوفاة في تلك الدول. وكانت دراسات عدة قد كشفت رابطاً بين مستوى الفيتامين D والإصابة اللاحقة بفيروس كورونا.

اكتشفت إحدى الدراسات مثلاً أن المصابين بنقص في الفيتامين D كانوا أكثر ميلاً إلى التقاط العدوى بعد مرور فترة تصل إلى سنة. لكن شدد العلماء في البحث الأخير على ضرورة إجراء تجارب عيادية عشوائية للحصول على أدلة جازمة حول قدرة مكملات الفيتامين D على منع التقاط "كوفيد-19" وإنقاذ حياة الناس لأن الدراسات المبنية على المراقبة قد تواجه مشكلتَين إحصائيتَين: عدم مراعاة العوامل المؤثرة، والسببية العكسية.

تنشأ المشكلة الأولى حين يمتنع الباحثون عن أخذ جميع العوامل المؤثرة بالاعتبار. قد يؤثر التقدم في السن والأمراض المزمنة مثلاً على مستويات الفيتامينات D في الجسم وعلى خطر الإصابة بفيروس كورونا.

أما مشكلة السببية العكسية، فتنشأ حين تؤثر النتيجة بحد ذاتها على العوامل الخاضعة للتحقيق. قد تؤدي حالات كورونا الحادة إلى تراجع مستويات الفيتامين D مثلاً.

خلال التجارب العيادية، يتجنب الباحثون هذه المشاكل حين يطلبون من المشاركين عشوائياً أن يتلقوا العلاج الحقيقي أو الدواء الوهمي، ثم يراقبونهم لمعرفة ما سيحصل في المرحلة اللاحقة. لكن تكون التجارب العيادية مكلفة وتحتاج إلى وقت طويل قبل إعطاء نتائجها.

الاختلاف الوراثي العشوائي

استعمل باحثون من جامعة "ماكجيل" في مونتريــال، كندا، وزملاؤهم من جامعة "سيينا" الإيطالية تقنية "العشوائية المندلية" المبنية على الاختلاف الوراثي بين الناس لمحاكاة تجربة عشوائية وخاضعة للمراقبة وتحليل آثار الفيتامين D. رصد العلماء في البداية متغيرات جينيــة معروفة بتأثيرها على مستوى الفيتامـــــــــين في الجسم.

تنشأ هـــــذه المتغيرات عشوائياً لدى الناس عند تكوينهم نتيجة خليط من الأمشاج المأخوذة من الأبوين. تمنع هذه الطريقة أي انحياز في النتيجة بسبب المتغيرات المؤثرة (قد تنسف هذه الأخيرة الروابط مع عوامل أخرى أو تلك المشتقة من السببية العكسية) لأن هذه المتغيرات تتحدد قبل التقاط العدوى. في المرحلة اللاحقة، استعمل الباحثون تلك المتغيرات كدلالة على مستويات الفيتامين D لدى 14134 فرداً مصاباً بفيروس "كوفيد - 19" من 11 بلداً، وأكثر من 1.2 مليون شخص غير مصاب بالعدوى.

لم تبرز أي روابط مؤثرة بين مستويات الفيتامين D المتوقعة استناداً إلى التركيبة الجينية لدى كل فرد، وعدوى كورونا أو حالات دخول المستشفى أو حدّة المرض.

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة "بلوس" الطبية.


تجارب عيادية حاسمة


يقول البروفيسور نافيد ستار من "معهد القلب والأوعية الدموية والعلوم الطبية" في جامعة "غلاسكو" في المملكة المتحدة: "هذه الدراسة تدعو إلى توخي حذر إضافي لكل من يظن أن مكملات الفيتامين D ستكون حلاً سحرياً لفيروس "كوفيد - 19"، علماً أن عدداً كبيراً من الناس ما زال مقتنعاً بهذه الفكرة".

لم يشارك ستار في البحث الأخير، لكنه نشر مع زملائه حديثاً نتائج دراسة مبنية على المراقبة ولم ترصد أي رابط بين مستويات الفيتامين D ومخاطر عدوى كــورونا وعدد الوفيات.

لكنه يظن أن الطريقة الوحيدة لحسم هذه المسألة تقضي بإجراء تجارب عيادية حول مكملات الفيتامين D. لا يزال عدد التجارب قيد التنفيذ قليلاً.

صرّح ستار لمجلة "ميديكل نيوز توداي": "يجب أن نبقى منفتحين على نجاح أي تجربة. لكن نظراً إلى البيانات الوراثية الجديدة التي أُضيفت إلى أبحاثنا السابقة ودراسات علماء آخرين، لا أتوقع أن تُحقق مكملات الفيتامين D منافع كبرى للوقاية من "كوفيد - 19" أو معالجته. قد يتبين أنني مخطئ لكني سأشعر بالسرور حينها".

يلفت المشرفون على البحث إلى أن دراستهم تعجز عن استبعاد احتمال أن تفيد المكملات المصابين بنقص في الفيتامين D (لا من يسجّلون مستويات غير كافية منه).

يقول المشرف الأول على الدراسة، غيوم باتلر لابورت: "لا نستطيع إصدار أي حُكم نهائي حول المصابين بنقص حقيقي في الفيتامين لأن تقنية العشوائية المندلية تُحلل متوسط التأثيرات بشكلٍ أساسي".

صمّم الباحثون دراستهم لتحليل آثار مستويات الفيتامين D لدى مجموعة سكانية معينة.

يضيف باتلر لابورت: "في كل مرة ننظر فيها إلى المعدلات الوسطية في الإحصاءات، يرتفع احتمال ألا تراعي الدراسات جميع العوامل الخارجية المؤثرة. لقد أثبتت الدراسات المبنية على تقنية العشوائية المندلية براعتها في توقّع نتائج التجارب العيادية المرتبطة بالفيتامين D وتأثيره على أمراض أخرى، بما في ذلك السرطان والربو. لهذا السبب، يجب أن يُركّز التمويل المحدود المخصص للتجارب العيادية العشوائية مستقبلاً على علاجات محتملة أخرى لفيروس "كوفيد - 19".

كانت الدراسة محدودة من ناحية معينة لأنها اكتفت بمراقبة أفراد من أصل أوروبي، ما يعني أن مستويات الفيتامين D قد تعطي آثاراً مختلفة على نتائج فيروس كورونا لدى مجموعات سكانية أخرى. لكن يكتب العلماء في تقريرهم أن التجارب العيادية المرتبطة بأثر مكملات الفيتامين على أمراض أخرى أعطت نتائج مشابهة لدى مجموعات سكانية من أصول متنوعة.


MISS 3