د. ميشال الشماعي

بين جو بايدن وفلاديمير بوتين.. هل لبنان موجود؟

16 حزيران 2021

02 : 00

أعلن البيت الأبيض وكذلك الكرملين أن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين سيلتقيان لأول مرة منذ وصول بايدن للحكم، وسيعقدان قمة اليوم في 16 حزيران في جنيف. وذلك على وقع اتّهامات متبادلة بين الرئيسين وتوتّر حادٍّ في العلاقة بينهما، ويؤمل من هذه القمّة أن تذلّل هذه التوتّرات بينهما. وسيتمّ عقد هذا اللقاء على هامش اجتماعات قادة مجموعة السبع، وحلف شمال الأطلسي الذين يسعون إلى تشكيل جبهة واحدة ضدّ موسكو.

لكن ما يهمّ لبنان في ذلك كلّه هو إذا ما استطاعت الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة في الفترة المنصرمة من جعل لبنان أولويّة على جدول أعمال هذه القمّة، لا سيّما وأنّ الرئيسين بحسب ما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين ساكي" في بيان مقتضب "سيبحثان مروحة من القضايا الملحة، في وقت نأمل بجعل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر استقراراً". وسيتطرّقان إلى قضايا المنطقة خاصّة بعد الأحداث الأخيرة التي جرت في غزّة على وقع تشكيل حكومة إسرائيليّة جديدة، فضلاً عن الانتخابات الرئاسيّة السوريّة الصُّوَريّة الأخيرة.

وتحرص الولايات المتّحدة الأميركيّة على ألا يكون هذا اللقاء بمثابة صكّ براءة على الأعمال الروسيّة الدّاعمة لتجاوزات أدنى حقوق الانسان التي تجلّت في اعتقال المعارض الروسي "ألكسي نافالي"، فضلاً عن الأحداث الدّائرة في بيلاروسيا ونظامها برئاسة "ألكسندر لوكاشنكو" وخصوصاً أنّ موسكو هي داعمها الأكبر. وسبق أن فرضت الولايات المتحدة على نظام لوكاشنكو الذي يتولى الحكم منذ 1994 سلسلة عقوبات. وسيبحث الرئيسان أيضاً ملفي إيران وكوريا الشمالية النوويين، إضافة الى قضية القطب الشمالي والتغير المناخي، وصولاً إلى الأزمة السورية. كما سيعرض بايدن على الأرجح خلال القمة العديد من الشكاوى الأميركية حيال فلاديمير بوتين، بما في ذلك الشكوك في تدخل روسي في الانتخابات الأميركية والهجمات الإلكترونية.

من هذا المنطلق، سيلج الرئيسان باب القضيّة اللبنانيّة انطلاقاً من الأزمة الاقتصاديّة التي جعلت من لبنان دولة فاشلة، ومن المؤكّد أنّ وجود لبنان في المنطقة بهذا الشكل لا يخدم المصالح المشترَكة بين البلدين. فيما هذا الاهتراء والفشل في تركيبة الدّولة لا يخدم إلا الدّويلة الفطريّة التي نمت على جذع الدّولة من العام 1982 وحتّى اليوم، أي "حزب الله" ومشروعه الايراني في لبنان والمنطقة.

وعلى ما يبدو من مراقبة التصاعد التدريجي لمواقف بكركي، والتحضيرات للمؤتمر الفاتيكاني – اللبناني الذي يُعَدُّ له في الأوّل من تمّوز، فإنّ القضيّة اللبنانيّة ستكون الطبق الأدسم غير المعلَن على طاولة المحادثات الأميركيّة – الروسيّة. ولعلّ هذا ما دفع بالرئيس الحريري إلى اللجوء لتجديد الثقة السياسيّة به من قبل مرجعيّته الدينيّة ترقّباً منه لما قد ينتج من هذه القمّة، وبعدها قمّة الفاتيكان من ضغوط ستؤدّي حتماً إلى فتح كوّة في جدار الأزمة اللبنانيّة. عسى ألا تقتصر فقط على الأزمة الحكوميّة، بل نأمل أن تتعدّاها إلى حالة تغييريّة شاملة، أقلّ ما يكون أن تبدأ بانتخابات نيابيّة.

ولعلّ الاشارة الأبرز التي أطلقها سيّد الصرح في بكركي تكمن في قوله: "الدول مستعدة لتلبية النداء، لكنها تفترض أن تكون الدولة دولة لبنان ودولة شعب لبنان، وشرعيتها تمتلك قرارها الحر والمستقل... هذا بلد لا تسلّم مقاليده لأحد ولا يستسلم أمامَ أحد. جذوة النضال في القلوب حية". وإن دلّ ذلك على شيء فهو يشير إلى رسالة واضحة يرسلها من قلب لبنان إلى قلب لبنان والعالم، في رسالة مزدوجة مفادها أنّ المساعدة الدوليّة مطلوبة، وإن لم تهبّوا لمساعدة لبنان فلا يلومنّ أحد أحداً إن أمسك زمام مبادرة الدّفاع عن النفس في لبنان بعد اليوم. ولقد آن الأوان لأن تكون الدّولة دولة.

هذا الكلام بحدّ ذاته نابع من قوّة كيانيّة لبنانيّة من صلب التّاريخ الوجودي لشعب لم يعرف الاستسلام يوماً. ومن بعد غربي ليبرالي لن يتخلّى عن لبنان لأنّ الوجوديّة اللبنانيّة وسط العالم الشرق- أوسطي المتنازَع فيه على أدنى حقوق الإنسان هي المنطلَق الأساس لأيّ فكر تحرّري في المنطقة. وذلك انطلاقاً من كون الجيوبوليتيك اللبناني مأسوراً بين دولة عنصريّة وأخرى توتاليتاريّة ابتلاعيّة. من هنا، شكّل لبنان المادّة الدسمة في قمّة الزعيمين، والحرص الفاتيكاني مع تجاوب بكركي ورفعها السقف هما اللذان أعادا لبنان على أجندة المحادثات الدّوليّة. فهل سيأتي حسم القضيّة اللبنانيّة بدفع من بوّابة القديس بطرس في الفاتيكان استكمالاً لما بدأته بكركي في زمن مار نصرالله بطرس صفير وما تتمّ متابعته اليوم مع راعي الأمّة اللبنانيّة؟