مايز عبيد

البنزين شمالاً: طوابير وإشكالات ومناشدات للجيش بالتدخّل

23 حزيران 2021

02 : 00

مشهد يتكرّر على محطّات الشمال

يبدو أن كل الكلام عن حلحلة في موضوع شحّ المحروقات لا سيما البنزين بداية الأسبوع الماضي؛ لم يكن أكثر من مخدّر للشعب لإلهائه بالوعود، فيما الواقع شيءٌ آخر تماماً. لقد بات المواطن لا يُحسن إحصاء الأزمات وعدّها وجلّ ما يمكنه قوله: "إن شاء الله هيك وبس.. والله يستر من بكرا". إلى ذلك أصبحت الإشكالات أمام المحطات أمراً عادياً يومياً، حيث وقعت أمس عدة إشكالات متنقلة شمالاً، ومنها اشكال في الضنية أمام محطة هوشر أدى إلى قطع الطريق لبعض الوقت وإقفال المحطة، وإشكال آخر أمام إحدى المحطات في باب التبانة، اضافة الى عدد من الإشكالات والتضارب أمام محطات مختلفة في عكار لا سيما في منطقة الجومة.

أما كل الوعود بالحلحلة فلم تكن أكثر من وعود؛ وكل الكلام عن فتح اعتمادات لخمس بواخر قامت بإفراغ حمولاتها، لم ير منه المواطن اللبناني بشكل عام والمواطن الشمالي بشكل خاص، أي نتيجة تُذكر، إذ ما زالت السيارات تصطفّ بالطوابير أمام المحطات في الشمال، لا سيما في عكار والمنية وطرابلس والكورة والبترون...

اللافت انه بدل أن يُحلّ الموضوع، زادت أحجام هذه الطوابير وطولها أضعافاً، وقد وصل طول بعضها إلى 3 كيلومترات عند بعض المحطات. اما المحطات التي تفتح وتقوم بتعبئة البنزين والمازوت، فعددها قليل جداً ويُعدّ على أصابع اليدين في عموم الشمال، وهناك عدد كبير من المحطات مقفلة منذ بداية الأزمة إلى اليوم، بينما الحديث عن التخزين والتهريب إلى الداخل لم ينقطع البتّة. وعندما أشار قبل أيام، عضو نقابة أصحاب ​محطات المحروقات​ في ​لبنان​ ​جورج البراكس​، إلى أنه "ابتداءً من الإثنين المقبل (قبل أيام)، سيبدأ ​مصرف لبنان​ بإعطاء موافقاته على اعتمادات ​البواخر،​ وستبدأ هذه البواخر بإفراغ حمولاتها صباح الإثنين (قبل أيام)"، ردّ الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عليه بالقول "البواخر ستفرغ حمولاتها الإثنين صباحاً في لبنان وسيكون البنزين في سوريا الإثنين ظهراً".

طوابير الذل أمام المحطات باتت أزمة مسجّلة في يوميات المواطن اللبناني، لكنها من أشدّ الأزمات التي مرّت حتى الآن. تداعيات أزمة البنزين والمازوت بدأت تترجم في الواقع اللبناني في عدة مشاهد: الأول على الطرقات، حيث خفّت الزحمة بعض الشيء في بعض النقاط وصار المواطن الشمالي يمارس التقنين في مشاويره؛ لأن تعبئة الوقود أصبحت مهمة صعبة، كذلك تُرجمت لدى أصحاب المولدات الخاصة ساعات إضافية من التقنين في وقت لا يأتي تيار كهرباء الدولة أكثر من ساعتين في الـ 24 ساعة، بالإضافة إلى ترجمة هذا الأمر على نفسية المواطن وواقعه الحياتي بلمسة من السخرية المحببة. ومن يدري إذا طالت هذه الأزمة قد تتحول إلى واقع مأسوي، حيث تتناول بعض الصبايا الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي عندما يشرن "إلى أنه لو تقدّم لخطبتها في هذه الأيام عريس من أي وظيفة مهمة كان أو تقدّم لخطبتها عامل محطة بنزين فحتماً ستختار عامل المحطة".

من المفيد التأكيد على أن أزمة المازوت ستصيب كل شيء بالشلل، فلقد بدأت صرخات البلديات بالارتفاع شمالاً للمطالبة بإيجاد حل ومخرج للأمر، بعدما اضطرت العديد من البلديات إلى وقف آلياتها عن العمل، لا سيما الآليات التي تقوم بجمع النفايات من الأحياء والأزقة، وهنا أزمة جديدة ستضاف إلى كمّ الأزمات، حيث ستتوقف البلديات عن جمع النفايات بسبب شح المازوت ونحن في مطلع الصيف، ما يعرّض المواطنين للأمراض والأوبئة وتكاثر الذباب والبرغش.

يشير عادل وهو مواطن من عكار وصاحب محل ميكانيك في باب الرمل - طرابلس؛ إلى أنه وبسبب البنزين يكاد يخسر زبائنه وعمله. كان يفتح محله في العادة كل يوم 8 صباحاً ويقفله عند الثالثة بعد الظهر ثم يعود إلى عكار. ولأن 95 % من محطات عكار مقفلة، فهو يقوم بتعبئة البنزين من طرابلس. يصل باكراً إلى المدينة وبدل أن يفتح محله يضطر إلى الإصطفاف في طابور البنزين لساعة أو أكثر مع أنه يصل باكراً، وأحياناً يضطر أن يذهب إلى المحطة ظهراً قبل إقفالها ويصطف بالطابور لساعات لأجل 20 أو 30 ألف ليرة، وأحياناً تكون "النطرة" بلا جدوى عندما يقول عامل المحطة للمصطفين في الأخير "خلصنا لليوم".

مناشدة قيادة الجيش

أهالي الشمال وعكار ناشدوا بالأمس قيادة الجيش اللبناني بوضع يدها على ملف الوقود المرشّح للمزيد من الفوضى، حيث قال عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى السابق علي طليس في بيان: "أمام ما تشهده المناطق اللبنانية من إشكالات وأحداث أمنية متنقلة على محطات الوقود في عكار والشمال، نأمل من قيادة الجيش أن تتكفّل بالموضوع من لحظة استلام الوقود من الشركات إلى حين تسليمها للمحطات، وبيع هذه المحروقات إلى المواطنين تحت إشراف عناصر من الجيش اللبناني. إن هذا الأمر من شأنه ضبط مسألة الفوضى على الطرقات وأمام المحطات، وضبط عمليتي التهريب والإحتكار والحد منها، بالإضافة إلى إراحة الناس المأزومة على كافة الصعد... فقيادة الجيش هي الأجدر أن تتسلم مثل هكذا ملفات حساسة وأصبح تفاقمها بالشكل الذي تدار به الأمور اليوم يهدد الأمن والسّلم الأهلي والإستقرار في البلد".

في السابق كان طموح المواطن الطرابلسي كبيراً، يتمثّل بتشغيل المرافق المعطلة في مدينته، من مرفأ ومعرض وفندق وغيرها، لتأمين فرص عمل ووظائف للشباب وتحقيق التنمية في مدينته. على نفس المستوى، كان المواطن في عكار يطمح بتشغيل مطار القليعات وبناء فرع الجامعة اللبنانية والبدء بإنجاز الأوتوستراد العربي. هذه المطالب على أحقيتها جعلها هذا العهد وسلطته ضرباً من الخيال الجامح، في زمنٍ صار فيه أقصى حلم المواطن اللبناني، تأمين علبة حليب أو تعبئة خزان سيارته بالوقود فيفرح أيما فرحة. ويبقى السؤال الذي يسأله كل لبناني بعد كل هذا: إلى أين؟


MISS 3