جاد حداد

إدمان الطعام... مشكلة حقيقية؟

3 تموز 2021

02 : 00

الإدمان على الطعام موضوع مثير للجدل في الأوساط العلمية. يرتبط هذا المفهوم جزئياً بالمخاوف المحيطة بزيادة معدلات البدانة حول العالم. ما هي المعطيات العلمية المعروفة عن هذه الحالة وهل يمكن اعتبارها مشكلة حقيقية؟

يستعمل الباحثون مفهوم الإدمان على الطعام لوصف عادات الأكل القهرية لدى البشر، وهي تشبه سلوكيات الإدمان بدرجة معينة.

تكشف الأبحاث أن بعض الناس يميل أكثر من غيره إلى الإدمان على المأكولات الغنية بالدهون والسكريات. وتذكر دراسات أخرى أن المصابين بهذه الحالة يبحثون عن الطعام طوال الوقت ويواجهون أعراضاً مشابهة لاضطرابات الإدمان الأخرى.

ما من تعريف شائع للإدمان على الطعام ولا يعتبره "الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية" مشكلة بحد ذاتها. لكن حدّد الباحثون بعض السلوكيات المرتبطة بهذا المفهوم، نذكر منها:

• الإفراط القهري في الأكل رغم غياب الجوع.

• رغبة شديدة في تناول مأكولات غنية بالدهون والسكريات.

• صعوبة في السيطرة على كمية الطعام المستهلكة.

• الأكل بشراهة واضطراب الأنماط الغذائية.

ما الذي نعرفه عن الإدمان على الطعام؟

تذكر الدراسات أن ترقّب الطعام، لا استهلاكه، هو الذي يطلق مشكلة الإدمان على الأكل. إنه السلوك الذي يبديه المدمنون على مواد أخرى.

نظرياً، يمكن تفسير هذا السلوك عبر ظاهرة التحسس التحفيزي التي تفترض أن الفرد قد يرغب في شيء لا يحبه طالما يحفّز هذا العنصر مراكز المتعة في الدماغ.

قد يرغب الناس مثلاً في تناول نوع من المشروبات السكرية لأنه يعطيهم شعوراً بالراحة نتيجة إفراز الدوبامين، لا لأنهم يتلذذون بذلك المشروب.

طوّر الباحثون "مقياس ييل لإدمان الغذاء" بناءً على معلومات ذكرها "الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية" حول الأعراض والسلوكيات المرتبطة باضطرابات الإدمان. يشمل هذا المقياس 25 سؤالاً لرصد مشكلة الإدمان على الطعام.

أثار مفهوم الإدمان على الطعام اهتماماً كبيراً في الأوساط العلمية، فاعتبره البعض عاملاً كامناً وراء البدانة أو جزءاً من أعراض فائض الوزن.

بغض النظر عن حقيقة هذا الرابط، تذكر مراجعة من العام 2017 أدلة مفادها أن السلوكيات المرتبطة بالإدمان على الطعام تزداد حدّة لدى الراغبين في إجراء جراحة لمعالجة البدانة أو إنقاص الوزن. لكن لماذا يُعتبر هذا المفهوم مثيراً للجدل؟

رغم الأبحاث الحاصلة حتى الآن، لا يزال الإدمان على الطعام موضوعاً شائكاً وسط العلماء نظراً إلى غياب الأدلة الجازمة في عدد من الدراسات.

في ما يلي بعض الأفكار المثيرة للجدل:

الفرق كبير في تعامل الدماغ مع الطعام والمخدرات!

يُركّز البعض على نقاط التشابه بين الرغبة المفرطة في الأكل والنزعة إلى تعاطي مخدرات غير مشروعة. لكن يطرح مفهوم الإدمان على الطعام سؤالاً مهماً آخر: إذا كان الإدمان على المأكولات ممكناً، هل يصبح الطعام مسيئاً لنا؟

تُحفّز المأكولات والمخدرات نظام المكافأة ومركز المتعة في الدماغ، لكن لا يعطي الطعام الأثر الدوائي الذي تُخلّفه المخدرات. كذلك، يستهلك الناس الطعام بانتظام وبخلطات معقدة، ما يُصعّب تحديد الكمية المستهلكة والتمييز بين الاستهلاك الطبيعي والإفراط في الأكل.


ما هي الأغذية المخدّرة؟

يصعب تصنيف ظاهرة سوء استخدام المأكولات، حتى أن الباحثين لم يحددوا بعد المغذيات أو التركيبات الغذائية التي تُسبب إدماناً على الطعام.

استنتجت دراسات على الفئران أن الحمية الغنية بالدهون والسكريات (يحتوي عدد كبير من المأكولات المُصنّعة على هذه العناصر) قد تطلق سلوكيات مشابهة للإدمان.

يظن البعض أن السكر في الأمعاء قد يكون العنصر الغذائي المُسبّب للمشكلة، لكن لا تزال هذه الفكرة غير مثبتة. لذا لا بد من إجراء دراسات مكثفة وطويلة الأمد على البشر لتحديد المغذيات التي تطرح إشكالية.

البدانة، والمنتجات الدهنية والسكرية، والإدمان على الطعام

تكشف دراسات معينة أن الإدمان على الطعام سبب منطقي للبدانة، حتى أن نماذج هذا الإدمان تضع الوزن الزائد أو البدانة في خانة المعايير العيادية. كذلك، يربط الباحثون بين الإدمان على الطعام وبعض الاضطرابات الغذائية، لا سيما اضطراب الشراهة.

لكن استنتجت إحدى المراجعات أن بعض المصابين باضطراب الشراهة لا يكون بديناً وأن معظم البدينين لا يصابون باضطراب غذائي أو بأعراض الإدمان على الطعام.

هذا ما يشكك بقدرة "مقياس ييل لإدمان الغذاء" على تشخيص المشكلة. يظن بعض الباحثين أيضاً أن هذا المقياس يرصد الاضطرابات الغذائية بكل بساطة ولا يشمل حالات الإدمان.

كذلك، لا تكون الرغبة في تناول الدهون والسكريات عاملاً مؤثراً على الأكل المفرط والبدانة بالضرورة. تذكر إحدى المراجعات مثلاً أن الفرد قد يفرط في تناول مأكولات غير غنية بالدهون أو السكريات أيضاً.


نظام "اليويو" الغذائي... سبب للإدمان على الطعام؟


تتعدد استراتيجيات إنقاص الوزن التي تسجل معدلات نجاح منخفضة، وقد تكون الحميات الشائعة صارمة أكثر من اللزوم. لن يكون حرمان الذات من الطعام ضرورياً لتعزيز النزعة إلى الإفراط في الأكل، لكن قد تنجم مشاكل الإدمان على الطعام عن التنقل بين حميات متنوعة وحصر المأكولات المستهلكة بشكلٍ متكرر.


كيف يمكن التخلص من السلوكيات الغذائية الشائبة؟


بغض النظر عن إصابة الفرد بالإدمان على الطعام أو أي نوع من الاضطرابات الغذائية الأخرى أو ميله بكل بساطة إلى تحسين كمية المغذيات المستهلكة، قد يرغب الناس في التخلص من السلوكيات الغذائية غير المرغوب فيها.

غيّر بيئتك


قد تنجم الرغبة الشديدة في الأكل عن عوامل بيئية مثل شكل الطعام ورائحته أو حتى شكله.

يمكنك أن تُعدّل بيئتك من دون فرض الضوابط على نفسك عبر الخطوات التالية:

• قسّم كميات متساوية من الطعام على مختلف الوجبات اليومية ثم خزّن البقايا في مكان بعيد عن نظرك.

• إجلس بعيداً عن موائد الطعام وغيّر تجربة الأكل عبر التركيز على الجوانب الاجتماعية من التواصل بين البشر بدل حصر تركيزك بالمأكولات المعروضة.

• ضع المأكولات الصحية في أماكن واضحة كي تتذكر أهمية الأكل الصحي (ضع الفاكهة مثلاً في وعاء أو طبق على منضدة المطبخ).

• زد استهلاك المأكولات الطبيعية والخضروات غير النشوية بدل المنتجات المُصنّعة إذا أمكن.

التعديلات البسيطة تُحدِث فرقاً كبيراً!

من الضروري أن تقاوم رغبتك في تجربة الحميات الرائجة التي تَعِد بنتائج سريعة خلال وقت قصير، إذ يسترجع معظم الناس الكيلوغرامات المفقودة خلال خمس سنوات حين يطبّقون حميات مماثلة لإنقاص وزنهم.

حاول إذاً أن تُحدِث تعديلات تدريجية لكن مؤثرة في حميتك الغذائية وأسلوب حياتك، منها ممارسة الرياضة بانتظام، لتحسين صحتك والسيطرة على أي أمراض محتملة.

باختصار، تبقى البدانة حالة طبية معقدة وهي تنجم عن أسباب عدة ولا يمكن معالجة الاضطرابات الكامنة وراءها عبر حميات سريعة.



MISS 3