محمد دهشة

"برونزاج" مع ساعات الانتظار أمام محطات الوقود

النفايات تتراكم في شوارع صيدا بعد إضراب العمال

3 تموز 2021

02 : 00

برونزاج خلال الانتظار امام المحطات

تستولد الازمات المالية والاقتصادية والمعيشية ازمات "متحورة" كل يوم، حيث يئنّ العمال والمواطنون معاً من تداعياتها السلبية، وآخر فصولها تراكم النفايات في الحاويات في شوارع واحياء صيدا، بعد الاضراب الذي ينفذه عمال معمل فرز النفايات الصلبة في سينيق جنوبي المدينة، احتجاجاً على المذكرة الادارية الصادرة عن المعمل، والقاضية بالعودة عن قرار صرف رواتب العمال على اساس سعر صرف الـ3900 ليرة ومنح العمال المياومين مكافأة مالية قدرها 75 بالمئة من قيمة الأجور وتدفع لمرة واحدة فقط بسبب نقص السيولة في الشركة. وأكد العمال الذين نظّموا وقفة احتجاجية امام مدخل المعمل للتعبير عن رفضهم القرار الجديد، انهم فوجئوا بعودة الشركة عن قرار دفع رواتب العمال على سعر صرف الـ3900 ليرة ودفعها على سعر الـ1500 ليرة، خصوصاً بعدما وعدوا به نتيجة مساع بذلتها البلدية والادارة السابقة، لكن نقص السيولة اجبر الشركة على التراجع، كما تقول مصادرها. وأوضح محمد حجازي باسم العاملين أن "الحدّ الادنى لاجور العمال هو 675 الف ليرة، وفي ظل الظروف المعيشية الخانقة، لا تكفيه وعائلته لسدّ رمق الجوع فقط دون سواها"، مشيراً الى اننا "توقفنا عن العمل ولكننا لم نقفل مدخل المعمل، والشاحنات تفرغ حمولتها ولكننا لن نزاول اعمالنا وستمتلئ ساحات المعمل بالنفايات، ونحن نعلم ان الشركة قبضت شيكاً مصرفياً على اساس الـ3900 ليرة". وبعد ساعات قليلة على الاضراب، سرعان ما تراكمت النفايات في مختلف شوارع المدينة واحيائها الشعبية، في مشهد مقزّز، سيما وانها تزامنت مع ارتفاع لافت في درجات الحرارة، مصحوبة برطوبة ومع تقنين قاس بالتيار الكهربائي، الامر الذي يجبر الناس على فتح نوافذ منازلهم للتهوئة، غير ان الروائح الكريهة والقوارض بدأت تنتشر مهدّدة السلامة العامة حيناً وصحّتهم حيناً آخر. وقال الفتى علي ابو شامية بغضب لـ"نداء الوطن"، وهو يستقل دراجة هوائية: "ألا تكفي الازمات المعيشية والحياتية حتى تؤرق مشكلة النفايات الناس في الصيف؟ كنت ألعب مع رفاقي في الحي، الآن حرمنا من اللعب، وحدها القطط تسرح وتمرح تبحث عن قوتها فرحة". وكثيراً ما طالب العمال بتحسين رواتبهم لتتلاءم مع غلاء المعيشة وارتفاع الاسعار الذي لَحِقَ بمجمل السلع الاستهلاكية الضرورية، وقد راكَمَ قرار مصرف لبنان تخفيض سقف السحوبات النقدية المشكلة في وجه المعمل، فما كان من الإدارة إلا التواصل مع بلدية صيدا لحل الأزمة سابقاً، وقال أحد العاملين: "اعتصمنا منذ ثلاثة اشهر وثم جرى تعليق الاعتصام لانهم وعدونا بأن نأخذ معاشاتنا على أساس الـ3900 بعد أن يقبض المعمل من البلديات على اساس هذا السعر، اليوم المعمل يقبض على الـ3900 ليرة ولا يريد ان يعطينا رواتبنا على هذا المقياس، وهذا حق مكتسب لنا ولا نعرف ما هو السبب ونريد حلاً".

طوابير الاذلال

ومع الأزمة المتحورة الجديدة، تحولت المدينة مواقف ثابتة مع بقاء طوابير الاذلال امام محطات الوقود على حالها، بل زادت ازدحاماً مع اقبال المواطنين على تعبئة خزّانات سياراتهم في يوم لفقدان الثقة بأي حلول قريبة، اذ بالرغم من رفع سعر الصفيحة الى ما يزيد عن الـ70 الف ليرة لبنانية، الا ان شيئاً لم يتغير، بقي الانتظار لساعات، التعبئة بالقطارة وبمبلغ لا يزيد احياناً عن الخمسين الف ليرة لبنانية، اعتماد خط واحد فقط للتعبئة من دون فتح كامل طاقتها، اي بخرطومين، فيما غالبيتها اقفلت ابوابها، وازدهرت تجارة بيع البنزين لاطباء ومهندسين واصحاب مهن حرة لا يريدون الوقوف في الطوابير والانتظار.

عند احدى محطات الوقود في صيدا المواجهة للشاطئ، ضاق شاب صياوي من ملل الانتظار، استلقى على سقف سيارته وقد خلع قميصه، وقال لـ"نداء الوطن" بتأفّف: "قررت ان آخذ حمام شمس "برونزاج" بعدما سئمت من الانتظار منذ ساعات الصباح الباكر، أتخيّل نفسي على البحر، لقد ذلوا الناس والانفجار الشعبي قادم لا محالة". على مقربة منه، لم يُخفِ "ابو محمد" الذي يعمل بجمع الخردة تذمّره من سوء الاوضاع المعيشية واستغلال حاجة الناس، قال: "لقد رفعوا سعر الصفيحة الى 61 ألف ليرة بداية ثم الى 71 ألفاً وما زال الانتظار والاذلال سيّدي الموقف، انه العذاب بحدّ ذاته".


MISS 3