جورج بوعبدو

يرى أنّ أغاني اليوم مجرّد كلام "مصفوف" وكورونا "صفعة" من الله

روميو لحود: "لقمة العيش" أعظم أغنية وأهم شعر اليوم

15 تموز 2021

02 : 01

هو جزء من ذاكرة لبنان وتاريخه الناصع الجميل. ملحمة من الأعمال المسرحية والغنائية صنعت للفولكلور اللبناني مكانةً تتردد اصداؤها في العالم العربي أجمع. انّه روميو لحّود الذي ما بخِل يوماً على لبنان بكل ما يزيده جمالاً ويرفعه الى مجدٍ لا ينال منه الزمان. "نداء الوطن" التقت بالفنان "الأسطورة" للوقوف على رأيه حول واقع الفن وأربابه في لبنان وما يعصف بالوطن من اهوال وازمات متتالية.

كيف تقرأ واقع الفن اليوم؟

ما يحصل في لبنان صورة مصغّرة عما يحصل في أميركا وفرنسا وبلدان أخرى. اليوم يغيب اللحن لصالح الايقاع وحده، ومن يتحكم بالسوق راهناً هم الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين الثامنة عشرة والاثنين وعشرين عاماً فهؤلاء هم من يشتري الألبومات وبالتالي يتحكم بحال سوق الأغنيات. وللأسف تدنى مستوى الفن في لبنان، أولاً على صعيد الشعر. فإذا ما اخذنا واقع الأغنية مثلاً نلاحظ أننا ما عدنا نجد شعراً فعلياً، بل نحن امام مجرد كلام "مصفوف". أما الألحان الطاغية فمجرّد موسيقى لا تعمّر طويلاً ولا تعرف الاستمرار. اغنية اليوم "فارغة" ومن غير مضمون يذكر. فهمّ فناني اليوم هو ان يجدوا من يوزّع ويسجّل لهم الاغنية ليس إلا وغالباً ما يبالغون في الاستعراض اثناء ادائها بحيث تخال انك امام مقطوعة لبيتهوفن. وبالتالي نسمع جلبةً ولا نرى طحناً. ولكن رغم ذلك ما يلفت الانتباه هو ان شباب اليوم مثقف اكثر من الجيل السابق، فملحن اليوم اكثر ثقافةً من ملحن الأمس مثلاً رغم عظمة الأخير وموهبته التي لا شك فيها.


مكرَّماً في مهرجان بعلبك / آب 2017


مشكلة الفن اليوم هي بشكل أساسي في خلوّ الاذاعات من المدير الاداري الذي يجيد اختيار الاغنيات الواجب دعمها. في الزمن الغابر كانت هنالك لجنة خاصة في الاذاعة اللبنانية تدرس الأغنية بكل تفاصيلها وتصنف مستواها لحناً وكلمةً قبل ان تسمح ببثّها. أما اليوم فالدفع بات سيد الموقف المتحكم بكل مفاصل الحقل الفني. اليوم يكفي ان تدفع ما يكفي من المال كي يذاع كل ما تريد. والقاعدة نفسها تنطبق على المهرجانات التي كانت في الماضي تنطوي على عراقة لا مثيل لها أمّا اليوم فقد تدنى مستواها بشكل كبير يدعو حتى الى الاستغراب والاستهجان. فبالأمس القريب شاهدت امسيةً نظّمتها لجنة مهرجانات بعلبك الدولية فشعرت للأسف وكأنني أحضر حفلةً لنهاية السنة المدرسيّة. اذا كانت تلك حال كبار المؤتمنين على الفن فما بالك بالصغار منهم؟ طبعاً هذا لا ينفي بالضرورة وجود شباب مثقف وموهوب يستحق أن تسلّط الأضواء عليه ولكن للأسف يبقى في الظلام لغياب الجهة الداعمة مادياً وإعلامياً وهذا امر مؤسف.

من الفنان الذي يعجبك ويحمل مشعــــــــل الفن الأصيل؟

لا تخلو الساحة الفنية في لبنان من المطربين الذين ينالون استحساني ولكنني لا احبذ بالضرورة الطريق الذي يسلكونه فنياً. فأنا لا يهمني مثلاً ان كانت الأغنية رائجةً خارج لبنان او بلغةٍ غير لغتي او لحنٍ غير لحني اذ لا ينقصنا شيء في لبنان. عندنا ملحنين وموزعين وكتّاب ولدينا اسلوبنا الخاص بنا. فلماذا لا نستثمر في مصادرنا الخاصّة؟ صحيح اننا في وضع تعيس في لبنان وفي حالة جمود شديد ولكن من يعلم ربما نجد بعد العسر يسراً وقد تؤدي الشدّة الى "انفجار" فني لاحقاً. وأتمنى أن يحصل ذلك في مرحلة لاحقة رغم تردّي حال الفن في الإجمال. فالمسرح مثلاً تراجع في كل البلدان في العالم ولكنه إختفى عندنا تماماً، فهو غير موجود على الاطلاق. وقد زادت الأزمة الاقتصادية في الطين بلّةً، فإن أردنا اليوم أن نصنع مسرحاً فلأي جمهور سنتوجه؟ ولمن سنكتب هذه المسرحية؟ لجمهورٍ يفتقر الى الماديات التي تسمح له بشراء قطعة خبز؟ لشعبٍ يركض وراء الرغيف؟ وراء الدواء؟ وراء البنزين؟ فمن باله بالترفيه اليوم؟

نحن في حالة فقرٍ مدقع ولكن ذلك قد يزيد من طاقتنا للعمل خصوصاً انه لدينا الوقت الكافي للتفكير ملياً بما يحصل. "لقمة العيش" هي اليوم أعظم أغنية وأهم شعر. ثم حتى لو كانت لدينا مسرحية فبأي عملةٍ سنحاسب الممثلين والمخرجين وعلى أي قاعدة؟ الوضع مبهم للغاية بحيث بتنا عاجزين عن الاتيان بأي عمل تماماً. وكأن لبنان اليوم "مخدّر" لأنني لا اريد أن اقول عنه إنه "ميت" لأنه عصيّ على الموت ولا بد أن ينهض يوماً ما أتمنّى الاّ يكون بعيداً.


مع إبنة أخيه ألين لحود



ما رأيك بأداء الطاقم السياسي حالياً؟

طول عمري لا أحب ان أتعاطى السياسة ولا أن استرسل في الحديث عنها. ولكنني ألحظ طبعاً استهتاراً فاضحاً بهموم الناس واستخفافاً بقدراتهم الفكرية فيتم التعامل معهم وكأنهم خواريف تساق في أي اتجاهٍ اراد الحاكم المستقوي. ولكن بأي سلاحٍ سيواجهه الشعب المفتقر الى الرغيف وأدنى مقومات الحياة؟ تسألني عن رأيي بهم؟ لا أفكر بهم إطلاقاً فمن هؤلاء أساساً كي يأخذوا حيّزاً من وقتي أو تفكيري؟ لا يستحقون هنيهة من وقتي.

كيف تأثرت بإنفجار المرفأ؟

الحادثة الأليمة الناجمة عنه تعطينا فكرة واضحة عن الموظف اللبناني الذي لا يهمه شيء إطلاقاً، سواء كان كبيراً أم صغيراً، نائباً أم وزيراً. هو الشخص نفسه. ذلك الذي يفكر بعقلية "لا يهمني ما دام الإنفجار بعيداً عنّي" فما بالي وبال الآخرين؟ أما نحن الشعب المسكين فما بيدنا حيلة. فهل نستطيع إعادة الروح الى أحباء فقدناهم. كل ما نتمناه هو الاّ يموت عدد اضافي من الأبرياء فما ذنب رجال الإطفاء والشعب المقهور الذي نُحر في عقر داره؟ لأي ذنب قُتلوا؟ ليس سهلاً أن تستيقظ لترى بيتك مدمراً وأفراد عائلتك أمواتاً أو جرحى. انه ثالث أقوى إنفجار في العالم! وسببه مجموعة من "الزعران" البعيدين كل البعد عن طبيعة الشعب المسالم المحب للحياة. كيف سيتمكنون من السير بين النّاس من دون أن يخجلوا من أنفسهم بعد ما إقترفوه؟ وهل ننسى الجريمة المالية كذلك؟ لو كنت مدير بنك لخجلت من النظر في عيون الشعب الذي سرقوا عرق جبينه بكل وقاحة وتركوه من دون مصدر رزق.


محيّياً الجمهور بعد إنتهاء مسرحيّته "بنت الجبل"


ماذا عن الكورونا، كيف تعاملت معها؟

بحجر نفسي شأني شأن الجميع. أحزنني أن البعض استهتر بخطورة هذه الجائحة فأصيب بها وبعضهم قضى بسببها للأسف. لعلّها صفعة من الله لأن الناس ابتعدوا كثيراً عنه. فما من حربٍ كان لها وقع كورونا، أو تمكنت من فعل ما فعلته أو حصدت أرواحاً بقدرها. ينبغي أن تشكّل درساً للمرتاحين على وضعهم، وعلى كراسيهم، فكلّنا على هذه الدرب سائرون فإلى أين سيهربون منها؟

كلمة أخيرة للبنانيين؟

أقول لهم إنني حملت التراث اللبناني على "أكتافي" خمسة وستين عاماً، مدّوا لي يد العون وكونوا لبنانيين اكثر منّي ودافعوا عن هذا التراث الجميل واحموه كي لا يندثر.


MISS 3