شربل داغر

الفساد خبز السياسة اليومي

23 آب 2021

02 : 00

يجري الكلام، منذ اكثر من سنة، عن تشكيل حكومة "اختصاصيين". هذا ما انكشف في حكومة حسان دياب، وينكشف في حكومة نجيب ميقاتي.

هذا ما يُترجَم، في كلام السياسيين والإعلاميين، بـ"الحصص" و"المحاصصة"، ويعني تحكم قوى سياسية برلمانية بوزراء الحكومة، وتالياً بادارة السلطة.

ولكن أليس هذا طبيعياً في نظام برلماني تمثيلي؟

لا يحتاج المتابع إلى قراءة التاريخ السياسي العثماني، منذ القرن التاسع عشر، لكي يتحقق من ان هذه السياسات لا تعدو كونها العمل على قبض جزء من الحكم، وبدعم "شعبي-مذهبي".

لهذا أتجنب الحديث عن "المجتمع المدني"، بل أتحدث عن "الأهل" و"المجتمع الأهلي"، إذ لا ينفصل المتنفِّذ-المتحكِّم عن قوى من "الأهل"، فيَعمل على تحشيدها بحجج "الهوية"، ويُغريها بالانتفاع من الحكم، اي بالفساد.

لهذا لا يبدو الكلام عن "شعب" بالمناسب، ولا عن "مصلحة الجمهور"، بل عن تكتلات شعبوية، قد تخسر نائبا أو أكثر في انتخابات نيابية، لكنها تبقى ممسكة بحصتها من الحكم.

لهذا يستعصي التغيير في لبنان. وتستعصي "الثورة"، ويبقى اي حراك محصوراً بفئات شبابية او بأعداد من المثقفين. ولهذا يتحول اي حراك إلى "احتجاجات" ليس الا... هكذا ترى المحتجين ينزلون إلى الشوارع لكي ينادوا ويصرخوا على شاشات التلفزيون في وجه القابعين في بيوتهم... من دون أن ينزل هؤلاء.

هكذا لا يتشكل "مجتمع مدني" إلا في جمعيات معدودة ومحدودة التأثير، وتتحول "الاحزاب" العاملة إلى "محميات"، وينخرها الفساد. هكذا تكونت السياسة بصفتها تربية اجتماعية، قبل ان تكون وعياً او قراءة في كتاب. هي ما يتم تعلمه في البيت، في الواجبات، في طلب الوظيفة، في طلب "التزعم" في البيت الواحد قبل بيت الجار...

هكذا تتشكل مجموعات مدركة لما يجمعها في عصبيتها الخاصة، فتتنابذ لكنها تشترك في المرض نفسه: السياسة "مُلك حصري" للمتنفذين، فيما الفساد ينهب قوى المجتمع بانتظام، بمن فيهم من يقتاتون من فتاته، من خبزه اليومي.


MISS 3