زينة عبود

أم رامي أقفلت البراد وأم شادي منعت الأكل

إيتيكيت البراد بغياب الكهرباء

27 آب 2021

02 : 00

اختصاصية التغذية روى الأطرش
عندما طار دولار الـ1500 ليرة وحلّق عالياً هرعت الناس الى السوبرماركات والملاحم لتخزين ما أمكن من المواد الغذائية الأساسية واللحوم والخضار خشية ارتفاع الأسعار أكثر، وهذا ما حصل بالفعل وبصورة متكرّرة، لكن حينذاك لم يخطر في حسبان الناس أن هذه الأغذية التي كدّسوها في الثلاجات والبرادات ستُقطع عنها الكهرباء ويكون مصيرها التلف نتيجة انقطاع مادة المازوت ومعها الكهرباء.

تتفاوت ساعات التغذية بكهرباء المولدات الخاصة بين منطقة وأخرى فيما كهرباء الدولة تفاجئ المشتركين بساعة أو اثنتين في اليوم كحد أقصى. ومع تبدّل أحوال المازوت في البلد، أصبحت التغذية بكهرباء المولدات أشبه ببورصة متحركة ينشرها أصحاب المولدات على "status" الواتساب للمشتركين، الذين اعتادوا ان يستفيقوا كل صباح ليتفقدوا مباشرةً هواتفهم الخلوية للاطلاع على جديد ساعات التغذية.

في بعض المناطق كالمنصورية مثلاً حدّدت ساعات التغذية بكهرباء المولدات بإجمالي عشر ساعات باليوم، فيما اقتصرت التغذية لأهالي بيت الشعار على سبع ساعات باليوم، وبلغت في الزلقا إحدى عشرة ساعة. في زكريت تحسّنت التغذية من اثنتي عشرة ساعة الى أربع عشرة ساعة أما في بصاليم فقد بدأ التقنين لاول مرّة منذ بدء الأزمة قبل يومين لتنقطع التغذية أربع ساعات فقط باليوم، في حين تقلّصت ساعات التقنين لتتراوح بين ساعة وثلاث ساعات في سن الفيل.

نكمل الجولة على المناطق لنلاحظ ان منطقة عمشيت - جبيل تغيب عنها الكهرباء بحدود ست ساعات باليوم. شمالاً في عبدين مثلاً لا تتعدّى التغذية بكهرباء المولّد الأربع ساعات، بينما في خلدة لا تزيد ساعات التغذية عن ست ساعات باليوم. أما في دوحة الحص فقد قام صاحب أحد المولدات بإطفاء مولّده بالكامل لتقبع حوالى خمس وثلاثين عائلة في العتمة الشاملة. بقاعاً تتغذّى المناطق التي تستمدّ التيار من كهرباء زحلة باثنتي عشرة ساعة باليوم ليحلّ الظلام باقي الساعات نظراً الى غياب المولدات الخاصة في المنطقة.

هذه الجولة السريعة أنتجت تبدّلاً في نمط حياة اللبنانيين الذين كانوا يطالبون بزوال مافيا المولّدات لتصبح هذه المولّدات هي ملاذهم الوحيد للتنعّم ببضع ساعات من التغذية، أقلّه للحفاظ على مأكولاتهم المخزّنة في البرادات والثلاجات.


براد أيام زمان... راجع؟



إبداعٌ لبناني في حفظ البرودة


مبكيةٌ هي حال اللبنانيين مع هذه المعاناة لكن الحاجة أمّ الاختراع فقد أبدع البعض في أساليب الحفاظ على التبريد اللازم لتجنّب تلف الأغذية.

أم رامي تستضيف أربعة أحفاد بشكل شبه يومي فيما أهلهم يذهبون الى أعمالهم، ولأنه من الصعب جداً التحكّم بتصرّفات الأولاد لجأت الى إقفال البراد بالمفتاح وتقول: "منيح انو برّادي قديم وإلو مفتاح وإلا ما بقي شي من الأكل". هكذا انتهت المشكلة بعدما تحوّلت أم رامي الى "ناطور البراد" لا يمكن لأحد فتحه إلا بإذنها وموافقتها.

قفلُ البراد غير متوافر لدى أم شادي التي كان صراخها يملأ الحي "سكّر البراد"، "ما بقا تفتحو البراد"، "رح تنزعوا الاكل". الى ان قامت بتعليق ورقة على باب البراد كتبت فيها: "ممنوع فتح البراد بالأوقات التالية (أوقات انقطاع التيار) تحت طائلة حسم وجبة طعام". بهذه الطريقة الفكاهية قلّصت أم شادي الخسائر المترتبة عن انقطاع الكهرباء.

توازياً، كانت أم روني قد خزّنت في ثلاجة كبيرة لحوماً وأسماكاً وخضاراً على "السعر القديم" قبل تحليق الدولار، وها هي اليوم تحاول تصريف ما أمكن من خلال طهي اللحوم والاسماك أولاً وتوزيع بعض الكميات على الأسر المحتاجة وتقول: "ليش لنكبّ الأكل؟ مناكل اللي فينا وبالباقي منساعد غيرنا... في كتير ناس صارت مشتهية لقمة الاكل هالإيام".

أصول التخزين والتذويب


كل ربّة منزل وأمّ تحاول تصريف الأغذية المخزّنة في ثلاجتها بأقل ضرر ممكن. فماذا عن أصول التخزين والتصريف؟

"تخزين الأكل يلعب ضدّنا هذه الأيام"، من هنا تبدأ اختصاصية الصحة العامة روى الأطرش حديثها مشددةً "على أهمية وضرورة إبقاء الثلاجة مغلقة من أجل الحفاظ على جودة الأغذية المخزّنة"، منبّهةً "من انقطاع التغذية بالكهرباء عن البراد لمدة أربع ساعات متواصلة ما يعني أن الكثير من المأكولات المثلّجة ستبدأ بالذوبان وبالتالي علينا طبخه مباشرةً لا سيما اللحوم منها". وتضيف: "ممنوع إعادة تثليج الطعام بعد الذوبان لأن في ذلك خطراً كبيراً على الصحة ويؤدي الى حالات تسمّم، لذلك من الضروري جداً التأكد من أن الأغذية المثلّجة لا تزال صلبة في الثلاجة، بعد مرور ساعات عدة على انقطاع الكهرباء".

لدى طهو الطعام من المهمّ جداً التنبّه الى ان انخفاض درجات الحرارة، أي في حال انقطع التيار لوقت طويل عن البراد، من شأنه ان يعزّز خطر التسمّم أيضاً مع العلم ان شكل ومذاق الطعام قد لا يتغيّر إلا انّ الجودة تتأثّر بشكل كبير مع تكاثر البكتيريا داخله. من هنا تشدد الأطرش على "ضرورة تسخين الأكل جيداً قبل تناوله مع تحريكه بما يسمح تسخين كل أجزاء الطعام بشكل متساوٍ".

وفي ظل عدم استقرار ساعات التغذية الكهربائية، تنصح الأطرش "بتحضير كميات محدودة من الطعام كي تبقى طازجة، مع التأكّد من ان اللحم والدجاج قد نضج جيداً"، مشيرةً الى انه "بالإمكان حفظ هذه المكوّنات نيئة في البراد لمدّة يومين على ان تُطبخ في اليوم الثالث على أبعد تقدير وذلك بشرط ان يبقى البراد شغالاً طيلة الوقت، فيما تُحفظ كل أنواع اللحوم في الثلاجة لمدة ثلاثة أشهر".

بكل الأحوال، يحاول الناس تصريف مخزون اللحوم بشكل خاص من الثلاجات خوفاً من ان تفسد مع التقنين في الكهرباء، وبالنسبة لاختصاصية التغذية "من المهم جدّاً الابتعاد عن إخراج اللحم أو الدجاج من الثلاجة وتركها خارج البراد لساعات قبل الطهو، وهي عادة تقوم بها نساءٌ كثر". وتوضح الأطرش أنّ "القاعدة الأولى الواجب اتباعُها تحتّم نقل اللحوم المراد تذويبها من الثلاجة الى البراد قبل ساعات عدة وذلك تفادياً لتكاثر البكتيريا داخلها". وكبديل عن التكديس في الثلاجات، تؤيّد الأطرش العودة الى طريقة التموين التقليدية مثل مونة البندورة في المراطبين، شرط حفظها في غرفة مخصصة للمونة بعيدةً من الرطوبة وفي حرارة معتدلة وأن تختم المراطبين جيداً كي لا تفسد المونة وتحافظ على جودتها.



أصول حفظ المأكولات في الثلاجة


بــــــــدائـــــــل اللـــــــحـــــــوم

الغلاء المعيشي انعكس تغييراً واضحاً على قائمة مأكولات معظم الأسر فما هي البدائل عن اللحوم التي فاق سعرها الثمانين ألف ليرة للكيلوغرام الواحد؟

"المطبخ اللبناني غنّي ومتنوّع ونحن محظوظون بذلك"، تقول الأطرش لافتةً الى أنه "من السهل استبدال اللحوم بالحبوب والبقول مثل الفاصوليا، العدس، الحمص، البازيلا، البرغل وغيرها، التي تعدّ مصدراً أساسياً للبروتين والألياف والحديد إضافةً الى الخضار والفاكهة الغنيّة أيضاً بالفيتامينات. كما أنّ هذا التنوّع في المأكولات يغني عن اللحوم والدجاج، الى جانب الألبان والأجبان والبيض التي تعدّ مصدراً إضافياً للبروتين الى جانب الكالسيوم وغيره من الفيتامينات الأساسية لصحة الإنسان".

وبالحديث عن البيض، تنبّه الأطرش من وضعه خارج البراد وتشير الى انّ "البيض لا يُغسل إطلاقاً لأن غسل القشرة يؤدي الى فتح المسام وتسرّب كل البكتيريا الى داخل البيضة كما ان حفظ البيض داخل البراد أمرٌ بغاية الأهمية"، وتلفت الى "وجوب وضعه على الرف حيث البرودة أعلى وليس في المكان المخصص له في جيبة البراد".


MISS 3