رامي الرّيس

الحكومة على المحك!

22 أيلول 2021

02 : 00

قلّما إكترث الرأي العام اللبناني لنصوص البيانات الوزاريّة التي صاغتها الحكومات المتعاقبة بعناية مستفيدة من ثراء مفردات اللغة العربيّة والقدرة على تدوير الزوايا إن لم يكن الالتفاف على المعاني السياسيّة الأصليّة وتقديمها بقالب أدبي أنيق يتلاءم مع متطلبات التلاوة أمام السلطة التشريعيّة ممثلة بالمجلس النيابي.

وقلّما شقّت بنود البيان الوزاري طريقها إلى التنفيذ الفعلي، فبعضها إرتطم بسياسة المناكفات السياسيّة والنكد الذي هو طريقة حياة بالنسبة لبعض الأطراف والقوى والبعض الآخر صار مكرراً ومموجاً، فيما تحوّلت بعض البنود الأخرى لتعكس معادلات خشبيّة (الاستعارة هنا من الرئيس السابق ميشال سليمان) لا تعدو كونها مجرّد تغليف لفظي منمق لواقع تجاوز الأطر الكتابيّة ورسم معادلات جديدة على الأرض (تبدأ بمعادلات الردع ولا تنتهي بقوافل المحروقات).

وإذا كانت البيانات الوزاريّة التي يُفترض أن تعكس الرؤية العامة للحكومة نادراً ما تنال الاهتمام، فكم بالحري بالنسبة لشعارات الحكومات وتسمياتها التي تُصنّف بدورها في إطار المبارزة الأدبيّة واللغويّة، لا أكثر ولا أقل.

المعنى من هذا الكلام أن الصياغات اللفظيّة المنمقة تتلاشى وتضمحل مع مرور أيّام قليلة على تأليف الحكومة ما لم تقترن بخطواتٍ إصلاحيّة جذريّة طال إنتظارها، وما لم تتخذ الخطوات التدريجيّة الكفيلة بإعادة ترميم صورة لبنان المشوّهة وإعادة بناء الثقة المفقودة مع العالم العربي أولاً ومن ثم مع العالم برمته، ناهيك عن الحاجة الماسّة لردم الهوّة السحيقة في الداخل بين المواطنين والدولة التي لمسوا غيابها وتقهقر دورها على مختلف الصعد والمستويات خلال الأشهر الماضية.

الحكومة على المحك في قدرتها الالتزام بالقضايا الإصلاحيّة الأساسيّة بدءاً بالكهرباء التي هي أم المصائب والعلل والتي لم يعد مفيداً البحث الجدّي في توزيع المسؤوليّات وتحميلها إلى أطراف سياسيّة (فهذا بات معروفاً ومحسوماً)، بل الأهم هو الانطلاق الفوري نحو خطوات إجرائيّة سريعة تتيح تطبيق الحلول المنتظرة بعيداً عن الحسابات والحساسيّات والعناوين القديمة- الجديدة.

إن الانكباب الحكومي على إطلاق إصلاح قطاع الكهرباء في أسرع وقت ممكن ان يُرسل إشارة إيجابيّة حول جديّة الحكومة وقدرتها على العمل كفريق متجانس يقارب الملفات الشائكة من حيث عناصر تكوينها العلمي وليس من خلفيّات المواقف والاصطفافات السياسيّة. كما أنه يُرسل إشارة إيجابيّة إلى الجهات المانحة التي يُعوّل عليها تقديم الدعم في بناء معامل جديدة والخروج التدريجي من العتمة إلى النور.

إن العمر القصير للحكومة يُفترض ألا يكون سبباً لعدم خوضها في ملفاتٍ معقدة (مجدداً أولها الكهرباء) ووضع الأسس لمعالجتها حتى ولو لم تؤتِ ثمارها قبل إنتهاء ولايتها (مع إنتخاب المجلس النيابي الجديد في فصل الربيع المقبل). كما أن قدرتها على فصل تلك الملفات الأساسيّة عن الحسابات الإنتخابيّة هو المعيار الذي يُفترض أن يُعتمد في سياق تقييم مهامها ومسؤوليّاتها وعملها.

العام 2022 حافل بالاستحقاقات، فهو يبدأ بالانتخابات النيابيّة مروراً بالانتخابات البلديّة وصولاً إلى الانتخابات الرئاسيّة. هذا يعني أن المجلس النيابي الجديد سينتخب الرئيس المقبل للجمهوريّة. صحيحٌ أن عمليّة الاقتراع النيابي للرئيس لم تكن يوماً إلا ترجمة لتسوية سياسيّة دوليّة- إقليميّة- محليّة، إلا أن هذا لا يلغي أهميّة موازين القوى في المجلس الجديد وقدرة الأطراف الخارجيّة والفاعلة والمؤثرة في الساحة اللبنانيّة على التعامل معها وتوجيه خياراتها السياسيّة.

لقد أصبح القول بأن لبنان على مفترق طرق يعتريه شيء من العبثيّة، فهو لطالما كان كذلك. وأغلب الظن أنه سيبقى كذلك بما أن الانقسام اللبناني حول الخيارات الكبرى يزداد عمقاً والشرخ السياسي يزداد إتساعاً. الخاسر الأكبر كان ويبقى: لبنان والمواطن اللبناني.