الفائز بنوبل الآداب ٢٠٢١ عبد الرزاق غورنا: اللاجئون الأفارقة لا يأتون فارغي الأيدي

02 : 00

فاجأت الأكاديمية السويدية هذه السنة جمهورها العالمي بمنحها جائزة نوبل للأدب إلى روائي وباحث تنزاني شبه مجهول عالمياً، هو عبد الرزاق غورنا الذي لم تترجم غالبية أعماله إلى اللغات الأجنبيـة ونادراً ما كتـب عنه في الصحافة الأوروبية والأميركية. أما عربياً فلم يترجــم لـه أي كتــاب. فمن هو هذا الروائي؟

منذ سنوات، تسعى نوبل إلى تشجيع الأدب المناهض للنزعة الكولونيالية ودعمه، على الرغم من تراجع الظاهرة الاستعمارية. وقد ربط فوز عبد الرزاق غورنا بنضاله "الأنتي- كولونيالي"، كما اوضحت الأكاديمية السويدية شارحةً سبب اختياره "في كون عمله السردي متعاطفاً إنسانياً ويخلو من أي مساومة إزاء الإستعمار والآثار التي تركها، ولأنه ملتزم بقضايا اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات...". وما جاء على لسان الأكاديمية يؤكد انتماء غورنا إلى الخط الروائي الذي رسمه روائيون كبار ناهضوا ثقافة الاستعمار وانتقدوها، ومنهم جوزف كونراد ونايبول وسلمان رشدي وجامايكا كينكيد. وقد كتب غورنا مقالات وأبحاثاً عن هؤلاء الروائيين وعن الأدب المقاوم للنزعات الكولونيالية.



من جهة أخرى، تولد الجائزة، بخلاف قيمتها المالية (نحو 1.14 مليون دولار) والمكانة الأدبية، اهتماماً كبيراً بالفائز بها يحفز مبيعات الكتب ويفتح المجال للفائزين غير المعروفين أمام جمهور واسع على المستوى الدولي. وبعد إعلان فوزه، دعا غورنا أوروبا "إلى اعتبار اللاجئين الوافدين إليها من أفريقيا بمثابة ثروة"، وشدد على أن "هؤلاء لا يأتون فارغي الأيدي، لأنهم بصراحة يملكون ما يقدّمونه وهم موهوبون ومفعمون بالطاقة".



من هو؟

ولد غورنا في زنجبار عام 1948، ثم انتقل باكراً إلى منفاه البريطاني هارباً من الحال المزرية التي عرفتها تنزانيا في الستينيات. يقيم الآن في بريطانيا ويكتب بالإنكليزية من غير أن ينسى لغته الأم وهي السواحيلية، ويتنقل بين بلدان أفريقية عدة. يعمل في التدريس الجامعي، ودرّس لسنوات في جامعة باييرو في كانو- نيجيريا وفي جامعة كينيت. وكان حصل على الدكتوراه من جامعة كينيت نفسها. وتناول في أطروحته الأكاديمية الأدب ما بعد كولونيالي والمناهض للاستعمار في أفريقيا والكاريبي والهند.

دخل غورنا عالم الكتابة الروائية عام 1987 مع باكورة أعمال حملت عنوان "ذاكرة المغادرة". في رصيده قصص قصيرة عدّة و10 روايات تدور معظمها حول تجربة هجرة الأفارقة إلى بريطانيا، علماً أن روايته "الجنة" أدرجت عام 1994 ضمن القائمة القصيرة لجائزة "بوكر". كما اشتهر ايضاً برواية "هجران" (2005)، و"وداعاً زنجبار" (2009).



معيار الجدارة الأدبية

لطالما عرف أن أسماء الفائزين الأوروبيين تطغى على الأسماء العالمية، ما جعل جائزة نوبل للأدب أسيرة أوروبيتها منذ تأسيسها، وبمنحها الجائزة هذه السنة لكاتب أفريقي تثبت الأكاديمية السويدية مواصلة ابتعادها عن المركزية الأوروبية.

ومن بين الفائزين الـ117 في فئة الآداب منذ بدء منح جوائز نوبل عام 1901، بلغ عدد الأوروبيين أو الأميركيين الشماليين 95، أي أكثر من 80 في المئة. أما عدد الرجال من هذه اللائحة فبلغ بفوز غورنا 102، مقابل 16 امرأة فحسب.

وفي هذا الاطار، كان قد أكدّ أعضاء لجنة التحكيم باستمرار أن "الجنسيات لا تهمهم". ولكن بعد فضيحة ضمن موجة "مي تو" هزت الأكاديمية عام 2018 مما أدى إلى تأجيل نادر لجوائز نوبل، أعلنت عن تجديد نهجها من خلال التوجه نحو مزيد من التنوع في الأنواع والقارات. وصرح رئيس لجنة نوبل أندرس أولسون في خريف عام 2019 أنه "في السابق، كان لدينا منظور للأدب يتركز على أوروبا، أما الآن فننظر في كل أنحاء العالم"، مكرراً تأكيده أن "الجدارة الأدبية" هي المعيار المطلق والوحيد".



ومنذ ذلك الحين، تم احترام المواصفات جزئياً، إذ فازت بالجائزة امرأتان هما الروائية البولندية أولغا توكارتشوك بأثر رجعي عن العام 2018، والشاعرة الأميركية غير المعروفة لويز غلوك العام الفائت، فيما حصل عليها رجل واحد هو النمسوي بيتر هاندكه.

ومنذ فوز الصيني مو يان عام 2012، لم يُتوج سوى كتاب من أوروبا أو أميركا الشمالية، وتجلت جرأة الاختيار بالأحرى في النوع، كمنح الجائزة للمغني والشاعر والملحن بوب ديلان عام 2016.



ومن بين نحو 200 إلى 300 ترشيح تقدم سنوياً إلى الأكاديمية، يتم اختيار خمسة منها قبل الصيف. ويتولى أعضاء لجنة التحكيم قراءتها بعناية وسرية تمهيداً للاختيار النهائي قبل وقت قصير من

الإعلان. وتبقى المداولات سرية لمدة 50 عاماً.


MISS 3