ريتا ابراهيم فريد

د. فادي اليازجي: الإحباط يتربّص بالشباب اللبناني

12 تشرين الأول 2021

02 : 00

معظم الشباب اللبناني بلغ مرحلة متقدّمة من الإحباط واليأس وصولاً نحو الدمار النفسي، نتيجة توالي الخيبات والصدمات التي تعصف بالوطن، مترافقة مع ظروف إقتصادية ومعيشية خانقة. "نداء الوطن" تواصلت مع المعالج النفسي الدكتور فادي اليازجي، الذي أوضح كيف يمكننا إعادة ترميم صحّتنا النفسية والاعتناء بها كي نتمكّن من الصمود ومواجهة هذه المرحلة الصعبة.

الصدمات تتوالى علينا في لبنان منذ حوالى سنتين، من دون أن نجد أي بصيص نور. كيف يستطيع الانسان أن يصمد أمام كل هذه المآسي قبل أن ينهار؟

الإنسان كائن صلب بطبيعته وتكوينه البيولوجي مؤلّف من جهاز عصبي قوي قادر على الصمود أمام الكثير من المآسي، شرط أن يكون هناك أمل، الأمر الذي فقدناه اليوم في لبنان، وبالتالي هذا ما يسلبنا القدرة على الصمود. وفكرة أن ينهار اللبناني بهذه الطريقة أمر يدعو الى الاستغراب. ففي فترة الحرب كان اللبنانيون يرزحون تحت ضغوطات أكبر بكثير، واستمرت 15 سنة، لكنّهم صمدوا وبقيوا أقوياء. الصواريخ والقذائف كانت تسقط فوق رؤوسهم. فقدوا أحباءهم. كانت منازلهم تتهدّم أمامهم، لكنّهم كانوا يباشرون في اليوم التالي بإعادة إعمارها، وكانوا يقاومون كي ينهضوا من جديد. الفرق بين الأمس واليوم أنّ اللبناني بقي صامداً لأن كلّ مرحلة من مراحل الحرب كانت تضخّ له جرعة أمل تساعده على الصمود. كان يشعر أن لديه قضية يناضل من أجلها، أو شخصيات لامعة تمنحه أملاً، مثل الرئيس الشهيد بشير الجميل الذي لن يأتي أي قائد مثله في تاريخ لبنان ولو بعد ألف سنة. أما اليوم فلم يتبقّ لدينا أيّ شيء نرجو منه أملاً، لا الدعم الخارجي ولا شخصيات في الحكم. لقد فقدنا الأمل بشكل نهائي.

كيف يمكننا إذاً التعامل مع الإحباط الذي يتملّكنا في ظلّ أجواء القلق الدائمة التي نشعر بها؟

الحلّ الوحيد هو بالعلاج النفسي. فنحن لا يمكننا أن نمحو ما يحصل في وطننا أو أن نتعامى عنه. هو واقع وعلينا أن نعيشه. لكن يمكننا أن نعمل على تغيير الصلابة بداخلنا كي نتمكّن من الصمود، وهذا يتمّ من خلال المتابعة مع إختصاصي نفسي. كذلك من المستحسن اللجوء الى بعض الفيتامينات التي يصفها المعالج، والتي تساعد الجسم أيضاً على أن يحتمل.

ما هي العوارض التي تشير الى أننا قد بلغنا مرحلة الخطر، وبات من الضروري أن نزور إختصاصياً نفسياً؟

الأفضل أن نلجأ الى المعالج النفسي منذ الإشارة الأولى لتدهور حالتنا النفسية، أي قبل أن نصل الى مرحلة الخطر، كي لا يصبح العلاج أصعب في المراحل المتقدّمة.

ولا بدّ من الإشارة الى أنّ الحزن والقهر قد يترجم بعوارض جسدية أيضاً، مثل أوجاع في الرأس أو في الظهر أو تشنّجات في الجهاز الهضمي. كما يمكن أن تؤثّر الاضطرابات النفسية أحياناً على القلب، حيث يشعر المريض أن قلبه يخفق بشدّة، فيظنّ أنه يعاني من مرض في القلب. الحزن يترجم أيضاً بضعف تدريجي في جهاز المناعة، بحيث يصبح الإنسان معرّضاً بشكل أكبر لانتشار الأمراض السرطانية.

من المعروف أنّ الإنسان الذي يفكّر بالانتحار يحاول أحياناً أن يمرّر رسائل أو إشارات. إذا لاحظنا ذلك عند الأشخاص المحيطين بنا، كيف يمكننا أن نتدخّل؟

علينا في البداية أن نفهم أساس هذه الرسائل وأن نأخذها على محمل الجدّ، والأهمّ ألا نستهتر بها. فهي فعلياً إشارات من الناقل العصبي سيروتونين الذي يتراجع ضخّه في الدم، بحيث يطلق إنذاراً في البداية، قبل أن تنتقل الأفكار الانتحارية كي تتحوّل الى ميول ومحاولات لإنهاء الحياة. ليس من المستحسن أن نتدخّل بشكل مباشر حين يصل الإنسان الى هذه المرحلة، بل أن نترك الأمر لأصحاب الاختصاص. وبالتالي من الضروري هُنا أن نقنع المريض بأن يبدأ بالعلاج النفسي، بحيث يتمحور تدخّلنا على أن نكون صلة وصل بينه وبين المعالج المختصّ.

كيف يمكن اليوم أن نشجّع الشباب اللبناني على زيارة المعالج النفسي حين يشعر أنه يحتاج الى ذلك؟ (خصوصاً أنّ هناك جمعيات تؤمّن استشارات وعلاجات نفسية مجانية أو بكلفة منخفضة)

التوعية ضرورية من خلال وسائل الإعلام على اختلاف تنوّعها. ومن المهمّ أن تعرض الشاشات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات والصحف والمواقع الإخبارية مقابلات مع أطباء ومعالجين نفسيين يشرحون أهمية هذا الأمر. كما أنّ اختيار التوقيت المناسب لإطلالة المعالج النفسي مهمّ أيضاً. على سبيل المثال، يستطيع القيّمون على المحطّات أن يعطوا مساحة لا تزيد عن الدقيقتين لإطلالة صغيرة لمعالج نفسي خلال نشرات الأخبار التي تحصد في العادة نسبة مشاهدة مرتفعة. علينا جميعاً أن ندرك أننا وصلنا الى مرحلة الذروة من الإحباط والانهيار النفسي، وهذا يستدعي تعاوناً جدياً من كلّ فئات المجتمع.

كأطباء ومعالجين نفسيين، أنتم أيضاً جزء من هذا المجتمع. ما الذي يمنحكم القوة كي تقفوا الى جانب الأشخاص الذين يحتاجون إليكم؟

إدراكنا بأنّ الناس يحتاجوننا وينظرون إلينا كمنقذين، هو أمر يشعرنا بالمسؤولية ويمدّنا بالقوة كي نصمد ونستمرّ. كما أن قوّتنا نستمدّها بشكل أساسي من إيماننا بالرب واتكالنا عليه، أي من قوة علوية خارقة أكبر من كلّ المآسي على هذه الأرض.

ما هي رسالتك للشباب اللبناني في الأسبوع الذي يصادف فيه اليـــــــــوم العالمي للصحة النفسية؟

رسالتي واقعية وليست مثالية، أوجّهها لكلّ شاب وصبية، خصوصاً الذين يفكّرون بالهجرة والتأسيس لمستقبلهم خارج لبنان، وهذا أمر طبيعي ومنطقي نسبة الى الأوضاع المعيشية السيّئة هُنا. لكني أقول لهم ببساطة: حين تصلون الى المطار، أتركوا قلوبكم هُنا على أرض الوطن قبل أن تغادروا، وحين تصبحون في بلاد الاغتراب: "خلّوا عينكم على لبنان".


MISS 3