مايا الخوري

المسرح كعلاج تعبيريّ للسجناء

زينة دكّاش: أفلامي عدّلت بعض القوانين المجحفة

26 تشرين الأول 2021

02 : 00

شارك الفيلم الوثائقي اللبناني "السجناء الزرق" في مهرجان الجونة السينمائي العالمي، وهو فيلم من بطولة سجناء رومية صوّرته الممثلة والمعالجة الدرامية زينة دكّاش لحمل قضية من حُكم عليه بالسجن إلى حين الشفاء من مرضه النفسي. عن تفاصيل الفيلم ومشاركته في المهرجان والقضايا الإنسانية التي تعالجها في أعمالها، تحدّثت زينة دكّاش إلى "نداء الوطن".

ما تفاصيل فيلم "السجناء الزرق" الذي يشارك في مهرجان الجونة السينمائي؟

صوّرت عام 2009، فيلم "12 لبنانياً غاضباً" في سجن رومية، وفي العام 2013 فيلم "شهرزاد" في سجن بعبدا للنساء، حاز الإثنان على جوائز في مهرجانات عدّة لينطلقا من مهرجان دبي السينمائي العالمي في جولتهما العالمية. أمّا فيلمي الثالث "السجناء الزرق" فقد ولدت فكرته في خلال التصوير في سجن بعبدا. لاحظت حينها أن بعض السجينات المشاركات في الجلسات العلاجية من المرضى النفسيين، ما دفعني للبحث عن أسباب الجرم والسجن. إكتشفت أن قانون العقوبات اللبناني الذي صدر عام 1943، والذي لا يزال ساري المفعول حتى الآن، ينصّ على "كل مجنون ومعتوه وممسوس يرتكب جرماً يبقى في السجن حتى الشفاء". أي يبقى فعلياً حتى الوفاة، فقررت حمل قضيتهم في مشروعي الثالث لأن حقوقهم الإنسانية والقانونية مهدورة.


لماذا أطلقت عليهم تسمية "السجناء الزرق"؟

تيمّناً بالمبنى الأزرق في سجن رومية الذي تبرّع شخص ببنائه من أجل شقيقه الذي قضى فترة محكوميته هناك حتى مماته. للأسف، هناك 23 سجناً في لبنان ومن ضمنهم "بعبدا"، يضمّ محكومين إلى حين الشفاء، مقابل وجود مبنى واحد رسمي مخصص لتلك الفئة من السجناء، هو المبنى الأزرق في رومية، الذي يقتصر على النزلاء الرجال، فيما لا مبنى مخصصاً للنساء.

كيف إنطلق هذا المشــــــــــروع وماذا يتضمّن؟

إنطلق هذا المشروع بتمويل من الإتحاد الأوروبي، يضمّ عملاً مسرحياً وفيلماً سينمائياً ومشروع قانون مقدّم من قبل جمعيتنا "كاثرسيس" في العام 2016. يتحدث الفيلم الوثائقي عن السجناء ذوي الأمراض النفسية، مرتكبي الجرائم والمحجوزين في سجون لبنان. تمّ تصويره أثناء جلسات العلاج بالدراما والمسرح، التي أقمتها عام 2015-2016 داخل سجن رومية.


من هم أبطال هذا الفيلم؟

سجناء رومية "العاديون" الذين يغوصون في أعماق تجارب زملائهم من ذوي الأمراض النفسية، ويُعبرّون من خلال تحضيرهم للمسرحية عن صعوبة حجز المريض النفسي في مأوى احترازي لحين ثبوت شفائه.

ما هي أبرز نقاط مشروع القانون المقدّم من قبلكم؟

- إلغاء تسمية "مجنون معتوه ممسوس"، وإبدالها بعبـــــارة "مرضى نفسيين".

- إلغاء قرار "السجن إلى حين الشفاء"، لأن المريض النفسي لا يُشفى من مرضه إنما يصبح وضعه مستقرّاً بعد تلقي العلاج اللازم.

- مواكبة مجموعة أخرى من القضاة عملية الإستقرار النفسي للسجين، لتحديد ما إذا كان مؤهلاً للخروج، بدلاً من القضاة الذين أطلقوا عليه حكم السجن، لأن ذلك ليس لائقاً.

- يجب أن يتوافر في وزارة الصحة فريق طبي مؤلف من معالجين نفسيين وممرضين لمتابعة تلك الفئة من السجناء. إضافة إلى أننا وجدنا الميزانية القادرة على تأمين هذه الخدمة، عبر تحويل الأموال المهدورة على المؤسسات غير الفعالة في الدولة لدعم هؤلاء المرضى وتأمين علاجهم النفسي.

- اقترحنا توافر وحدة خاصة من المعالجين النفسيين لمتابعة النساء أيضاً، داعين إلى تخصيص أحد طوابق المبنى الأزرق لهنّ.

إنطلاقاً من فوز فيلميك السابقين بجوائز عالمية، ما سبب الإهتمام الدولي بهذا النوع من الأفلام الوثائقية؟

يتمحور موضوع مهرجان الجونة للأفلام السينمائية حول "سينما للإنسانية". أي كيفية طرح مواضيع إنسانية هادفة من خلال الأفلام. تدخل أعمالي الثلاثة في إطار هذا النوع، خصوصاً أنها تمكّنت من تعديل بعض القوانين. بفضل فيلمي الأول، طُبّق قانون خفض العقوبات لحسن السلوك بعدما كان منسياً في الأدراج. فيما ضمّ فيلمي الثاني صوته إلى الجمعيات النسائية المعنية بحماية المرأة من العنف الأسري، خصوصاً أن عرض المسرحية في سجن النساء بحضور جميع المعنيين وصانعي القرار، دفع إلى الموافقة عام 2014، على مشروع قانون تقدمت به جمعية "كفى" لحماية المرأة من العنف الأسري، لكن مع تعديل رسمي بسيط في عنوانه ليصبح "قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة". إلى ذلك قدّمت أعمالاً مسرحية خارج السجون مثل "شبّيك لبّيك" بالتعاون مع عاملات المنازل، حيث طالبنا بإلغاء قرار صدر عام 2014 في لبنان يرتكز على ابلاغ كفيل العاملة المنزلية الأمن العام في حال إرتبطت أو قد ترتبط بعلاقة حبّ مع شخص على الأراضي اللبنانية. فتمكنّا من إلغائه عام 2015.


ملصق "السجناء الزرق"


لماذا كرّست أعمالك الفنيــــــــة لدعم السجناء في لبنان؟

لم أسخّر نشاطي لهم فقط، لكنني إخترت مشروعي الكبير الأول معهم، بعدما تدرّجت في إيطاليا مع مخرج إيطالي عمل في العلاج الدرامي مع السجناء طيلة 25 عاماً. إكتشفت برفقته قدرة المسرح على أن يكون نوعاً من العلاج التعبيري مع هذه الفئة من الناس. وبعدما تخصصت في المسرح وفي العلاج النفسي العيادي سافرت إلى أميركا للتخصص في العلاج الدرامي، أي العلاج النفسي من خلال إستخدام طرق المسرح. إلى ذلك تقدّم جمعيتنا "المركز اللبناني للعلاج بالدراما" خدمات عامة في هذا الإطار لا تقتصر على السجون فقط. فقد عملنا مع السجناء واللاجئين وعاملات المنازل، ونظّمنا ورش عمل للبنانيين ولغير اللبنانيين. كما نقدّم جلسات علاجية فردية وعامة، لموظّفي الشركات وأعضاء الجمعيات. لكنّ الإعلام أضاء أكثر على أعمالي في السجون.

ما هي مطالب السجناء الذين إلتقيت بهم؟

يطالبون أوّلاً بخفض مدّة العقوبات. تمكّنا في عام 2009 من إقرار قانون خفض العقوبات على كلّ سجين حسن السلوك. للأسف، يشمل هذا القانون محكوم المؤبد إنما بشروط تعجيزية كدفع التعويضات لعائلة الضحية. كما أنه لا يشمل المرضى النفسيين. وترتكز مطالبهم الأساسية أيضاً على عدم نسيانهم في السجن، وعلى معالجة الإكتظاظ في الزنزانة، والإسراع في إصدار الحكم وعدم التأخير بسبب كثرة الملفات أمام القاضي.

ما رأيك بأداء برنامج "عاطل عن الحرية" الذي دخل السجون وتابع قضايا بعض المساجين المنسيين؟

تعاونا في إخلاء سبيل 3 سجناء هم عيتاني وعلي ومرعي الذين أصبحوا برعاية الأب مجدي علاوي. صحيح أن منهجية عملنا مختلفة، حيث أتعامل مع المحكوم إنسانياً فقط، فيما يسرد البرنامج تفاصيل الجرم. إنما بفضل ملاحقة سمير يوسف القضايا ومساعدة الناس، تمكن من إخراج منسيين من السجن، لذا أوجّه تحية لجهوده.

هل إختلفت نظرتك إلى الحياة والعدالة بعدما دخلت إلى عالم السجناء؟

طبعاً، عندما نعمل مع فئات مهمشة في المجتمع نفهم مدى حاجتنا للخروج من قوقعتنا ورؤية ما يحصل فعلاً حولنا. نكتشف من خلال السجن بالذات كل أسباب وجع البلد، لأن السجناء يأتون من خلفيات مختلفة، فنرى من خلالهم نتائج السياسة والفقر والأحزاب.

عمّا استندت مبادرة "right to remember" الممولة من السفارة الأميركية؟

هي ورشة عمل جماعية ضمّت أساتذة جامعيين بتمويل من السفارة الأميركية. شارك فيها عدد من الشباب المتضرر من إنفجار "4 آب"، الذي تعلّم كيفية إتمام مشغل كتابي عن هذا اليوم. خضنا معاً ورشة عمل عن تقنية نستخدمها عادة في خلال العلاج الدرامي، نتجت عنها نصوص رائعة. إنها تجربة علاجية فعلية، كونهم استطاعوا التعبير من خلالها عن هذا اليوم، قرأوا نصوص بعضهم البعض كمشاركة غير مباشرة لمعاناتهم. كما تحدثنا عن نظريات علم النفس في الصدمة وتأثيراتها.


MISS 3