دماغك... ما وضعه أثناء الضغط النفسي؟

01 : 58

في 15 كانون الثاني 2009، واجه طاقم رحلة الخطوط الجوية الأميركية حدثاً غير مسبوق. بعد أقل من دقيقتين على الإقلاع، دخل إوز إلى محركات الطائرة وعطّلها. ثم خلال ثلاث دقائق ونصف، نجح الطاقم في رصد المشكلة وقرر ما يجب فعله ونفّذ ما يعتبره عضو سابق في "المجلس الوطني لسلامة النقل" "أنجح حيلة في تاريخ الطيران". بدأ طاقم الطائرة هذا الأداء التاريخي بقول عبارة يستعملها معظم الناس خلال الأزمات: "يا للهول"!

نمرّ جميعاً بلحظات مماثلة: قد تقابل شخصاً ألغيتَ موعداً معه للذهاب في موعد آخر، أو تضغط على خيار "رد على الجميع" في البريد الإلكتروني وتعطي كل شيء للتراجع عن هذه الخطوة. خلال الهزات الأرضية والحالات الطبية الطارئة أو أي وضع عصيب آخر، أول ما تفعله على الأرجح هو فقدان أعصابك. إنها ردة فعل طبيعية! يظن الكثيرون أنهم يجيدون التعامل مع الأزمات، لكن تكشف المعطيات العلمية أننا لا نبرع في ذلك إلا في حالات نادرة. في الوقت الذي نحتاج فيه إلى إدراك حقيقة محيطنا، يسهل أن يتركز انتباهنا على العوامل المخيفة، فنغفل عن مشاهد وأصوات أو حتى روائح أخرى من حولنا. لا يمكن التعرف على اللصوص المسلحين أحياناً لأن الشهود لا يتذكرون تفاصيل كثيرة عدا الأسلحة. كذلك، تضعف قدرتنا على تذكر العوامل التي نلاحظها. قد نسمع معلومة ثم ننساها بعد ثانيتَين ونستخلص استنتاجات غير دقيقة.

هذه التفاعلات البشرية الطبيعية قابلة للتغيير. يتعلم رجال الإطفاء والجنود في "الخدمة الجوية الخاصة" تخفيض ضغط دمهم وضربات قلوبهم وإيقاع تنفسهم بسرعة، كما يكبحون فرط نشاط جهازهم العصبي. تتعدد التقنيات التي تستطيع تعلّمها خلال دقائق: التنفس العميق، التنفس من البطن، التنفس تزامناً مع الهمهمة. حين تسترجع الهدوء، ستواجه تحدياً يتجاهله الكثيرون خلال الأزمات: تحديد سبب الفوضى بدقة.

نميل عموماً إلى إساءة تشخيص المشاكل خلال لحظات الأزمة لأننا لا نتدرب على مواجهتها. حين نفكر مسبقاً، نستطيع إيجاد حل في الوقت المناسب. لذا تطلب مضيفات الطيران من الركاب إيجاد أقرب مخرج قبل الإقلاع، كي لا ينهمكوا بالبحث عن مخارج إذا اندلع حريق أو غرقت الطائرة في المحيط.

أحياناً لا نملك جميع المعارف التي نحتاج إليها. لنقل إنك تتجول بين الأشجار في الغابة مثلاً ثم تشاهد أفعى. هل هي قاتلة أم غير مؤذية؟ هل يجب أن تتراجع ببطء؟ من الأفضل أن تقرأ المعلومات اللازمة حول كيفية التعامل مع هذه المواقف قبل الذهاب إلى البرية.

بدأ التعامل مع الأزمات يزداد أهمية لسببَين. في الماضي، لم تكن معظم الأشياء التي نستعملها موثوقاً بها بقدر ما هي عليه اليوم. كان تعطّل المحركات بعد إقلاع الطائرة وارداً. أما اليوم، فأصبح هذا الحدث نادراً. لنفكّر الآن بما يحصل لمستوى جهوزيتنا حين يتراجع احتمال وقوع حدث سيئ. ما لم نتدرب على الحوادث النادرة، لا مفر من تلاشي قدرتنا على التجاوب معها عند حصولها. الاتكالية قد تقتلنا فعلاً!

كذلك، نستعمل اليوم أنظمة أكثر تعقيداً، وتَقِلّ العوامل المتبدلة التي تسمح لنا بتوقع الأسوأ. حين تفتقر الأنظمة المعقدة إلى الشفافية، يسهل أن تنشأ مواقف سيئة في أي لحظة. تسمح لنا تقنيات مساعدة السائق بتوجيه المقود والحفاظ على مسافة آمنة مع السيارة أمامنا، كما أنها تُنبّهنا من أي اصطدام قريب. بدأت هذه الابتكارات تتحول إلى معدات نموذجية في حياتنا. لكن قد تفشل سياراتنا في رصد جميع الأجسام على الطريق (كما في البرية) أو تأخذنا في اتجاه خاطئ. صُمّمت هذه الأنظمة في الأصل لتخفيف أعبائنا، لكنها قد تجبرنا على مضاعفة يقظتنا لتجاوز هذه الحوادث غير الشائعة.

حين تصبح التكنولوجيا جزءاً من الحياة كلها وتنقسم المخاطر السابقة الكبرى إلى مخاطر صغيرة لا تُعدّ ولا تُحصى، قد تتحول الأحداث المخيفة من وقت لآخر إلى مسألة اعتيادية. يجب أن نتعلم جميعاً أن نتنفس، ونُحدد حقيقة الوضع القائم، وننفذ خططاً كنا أذكياء بما يكفي للاستعداد لها مسبقاً.


MISS 3