جاد حداد

"تقنية الحُجامة"... تساند لقاحات كورونا؟

20 تشرين الثاني 2021

02 : 00

في آخر عشرين سنة، طوّر العلماء مجموعة من الأدوية القائمة على الحمض النووي كعلاجات ولقاحات في آن.

تعطي العلاجات واللقاحات التي تستعمل الأحماض النووية مفعولها عبر كبح الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين والحمض النووي الريبي في الخلايا المضيفة أو استبدالهما أو تعديلهما.

تتوقف فعالية تلك العلاجات واللقاحات على طريقة إيصالها إلى الخلايا المضيفة. عند ضخّها مثلاً في النسيج مباشرةً، قد تتفكك معظم الأحماض النووية سريعاً إلا إذا كانت تحظى بالحماية التي تحتاج إليها.

ترتكز لقاحات "فايزر – بيونتيك" و"مودرنا" ضد فيروس "كوفيد-19" على أدوية قائمة على الحمض النووي. تكون الأحماض النووية في هذه اللقاحات محصورة وتحميها الجزيئات النانوية الدهنية التي توصلها إلى جميع أنحاء غشاء الخلية المضيفة. تُعتبر الأدوية التي تصل إلى وجهتها بهذه الطريقة فعالة، لكنها معرّضة للتفكك أيضاً أثناء تخزينها.

يمكن تسهيل تأمين اللقاحات في المناطق التي تفتقر إلى الموارد عبر ابتكار طريقة لتسليم أدوية قائمة على الحمض النووي وتجاوز الآثار الجانبية غير المرغوب فيها ومشاكل ارتفاع الكلفة، تزامناً مع الحفاظ على فعالية اللقاح.

في الفترة الأخيرة، طوّر باحثون من جامعة "روتجرز" في نيوجيرسي وجامعة "جين ون لايف ساينس" في سيول طريقة مبنية على تقنية الحجامة القديمة لتسليم الأدوية القائمة على الحمض النووي. نُشرت نتائج الدراسة حديثاً في مجلة "تقدّم العلوم".

تقنية الحجامة

تشير تقنية الحجامة إلى علاج قديم وشائع في الشرق الأوسط والصين، وهي تقضي بوضع أكواب ساخنة على الجلد لإنتاج ضغط سلبي وتشغيل الدورة الدموية وتسريع الشفاء.

منذ العام 1950، يستعمل الأطباء هذه التقنية في مستشفيات الصين وأماكن أخرى لمعالجة حالات مثل حب الشباب وشلل الوجه وضيق التنفس.

رغم غياب أي أدلة على منافعها الصحية، قرر المشرفون على الدراسة الجديدة استكشاف تقنية مشابهة باعتبارها طريقة محتملة لتوصيل الأدوية القائمة على الحمض النووي. لاختبار هذه الطريقة، جمع الباحثون مجموعتين من الفئران وحقنوهما بالحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين في الطبقات العليا من البشرة. تلقّت إحدى المجموعتين "علاجاً بأكواب الشفط" في موقع الحقنة، لكن لم تتلقَ المجموعة الثانية هذا العلاج.

راقب الباحثون نشاط الحمض النووي عبر المجهر الفلوري، ولاحظوا أن التعبير الجيني المشتق من اللقاح يمكن رصده بعد أربع ساعات على تلقّيه. لكن في مجموعة الفئران التي خضعت أيضاً لعلاج الحجامة، رُصِد التعبير الجيني بعد ساعة على تلقي اللقاح.

وبعد أخذ الحقنة بأربع وعشرين ساعة، لاحظ الباحثون أن التعبير الجيني يمكن رصده على مستوى أعمق بثماني مرات من بشرة الفئران التي خضعت لعلاج الحجامة، مقارنةً بالقوارض التي تلقّت حقنة الحمض النووي وحدها.

طريقة إيصال لقاحات كورونا

لتقييم مدى فعالية هذه التقنية لإيصال لقاحات كورونا المحتملة، ضخّ الباحثون في المرحلة اللاحقة لقاحاً مركّباً بالحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين في أجسام الفئران، وقسّموا القوارض على ثلاث مجموعات:

• تلقّت المجموعة الأولى حقنتَين باللقاح المرشّح من دون استعمال تقنية الحجامة في أول يوم واليوم الرابع عشر.

• تلقّت المجموعة الثانية لقاحاً واحداً تلاه استعمال تقنية الحجامة في اليوم الأول.

• تلقّت المجموعة الثالث لقاحَين واستعملت تقنية الحجامة في أول يوم واليوم الرابع عشر.

جمع الباحثون عيّنات دم من الفئران في اليوم الأول والرابع عشر، قبل تلقي اللقاح ثم في اليوم التاسع والعشرين. فاكتشفوا أن الفئران التي خضعت للعلاج بالحجامة بعد تلقي اللقاح طوّرت استجابة مناعية أقوى من تلك التي تلقّت اللقاح وحده.

تبيّن أيضاً أن الاستجابات المناعية لدى الفئران التي تلقّت لقاحاً واحداً ثم خضعت للعلاج بأكواب الشفط لم تختلف إحصائياً عن تلك التي تلقّت لقاحَين ثم العلاج بالحجامة. كذلك، لم تظهر أي أدلة على تضرر الأنسجة أو تسلل الخلايا الليمفاوية في مناطق الحَقْن لدى الفئران التي خضعت لهذا العلاج.يقول الباحثون إن الآليات الكامنة وراء تحسين طريقة إيصال العلاج عبر أكواب الشفط لم تتضح بعد. لكنهم يفترضون أن مسار الخلايا الصنوبرية هو الذي يسمح بهذه العملية. يؤدي هذا المسار دوراً بارزاً في تحديد الجزيئات التي تتنقل عبر الأغشية وتدخل إلى الخلايا.

برأي العلماء، يصعب التأكد من الآليات الكامنة وراء تقنية الحجامة نظراً إلى تعقيد العمليات ذات الصلة وغياب الأدوية المستعملة لإجراء الاختبارات.

لكن يظن الباحثون أن تحسين التقنية ممكن حتى لو لم يفهموا جميع الآليات الناشطة. يقول المشرف الرئيسي على الدراسة، هاو لين: "في الوقت الراهن، تتألف هذه العملية من خطوتَين: تلقي الحقنة ثم استعمال تقنية الحجامة بأكواب الشفط. نحن نعمل على الجمع بين الجهاز والتقنية لابتكار تطبيق يقتصر على خطوة واحدة، أي الحقن والشفط عبر جهاز واحد. كما أننا نحاول تخفيض مدة الشفط لضمان تقبّل المرضى للعلاج".

حين سُئِل لين عن احتمال استعمال هذه التقنية مع لقاحات كورونا، أجاب قائلاً: "هذا ممكن نظرياً. لكن لا يمكننا إعطاء جواب قاطع من دون إجراء الاختبارات لأن لقاحات كورونا، باستثناء لقاحات الحمض النووي، تُضَخّ في العضل، بينما يوصل هذا الجهاز اللقاح إلى الطبقات العليا من البشرة. أصبح جهاز الشفط في المرحلة الأولى والثانية من الاختبار اليوم لاستعماله مع لقاحات كورونا".

يستنتج الباحثون أن تقنية الحجامة هي طريقة واعدة لإيصال الأدوية القائمة على الحمض النووي. لكن لا بد من إجراء أبحاث إضافية لتقييم قدرتها على ضخ لقاحات كورونا لدى البشر.

يوضح لين: "يعطي جهاز الشفط منافع عدة مقارنةً بأجهزة أخرى تُستعمل لإيصال اللقاح العامل بالحمض النووي. أولاً، إنه جهاز غير مكلف وسهل الاستعمال، ولا يتطلب إلا درجة بسيطة من التدريب. ثانياً، يمكن تشغيل الجهاز عبر بطارية يسهل شحنها. ثالثاً، يسهل أن يتقبّل المريض هذا النوع من العلاجات لأن الجهاز يضخ لقاحات الحمض النووي من دون ألم أو انزعاج. رابعاً، يتطلب هذا الجهاز تغيير الغطاء بكل بساطة ثم الضغط على زر التشغيل، من دون الحاجة إلى ضبط الوقت كما في الأجهزة الأخرى. تنطفئ الآلة الجديدة تلقائياً خلال بضع ثوانٍ. بفضل هذه المنافع ومزايا أخرى يعطيها الحمض النووي عند استعماله على شكل لقاح (أبرزها عدم الحاجة إلى الثلاجات من الناحية العيادية، وانحسار الآثار الجانبية المحتملة، وتراجع الانزعاج الذي يشعر به المريض)، يمكن اعتبار هذا الجهاز منصة مثالية لإيصال اللقاح إلى المناطق النائية أو قليلة الموارد".


MISS 3