خالد أبو شقرا

قراءة بين سطور إجتماع وكيل الخزانة الأميركية مع البنوك اللبنانية

التحذير الأخير... المصارف في مهبّ الثواب والعقاب في مواجهة الفساد

18 كانون الأول 2021

02 : 01

الفساد السياسي أوصل البلد إلى الافلاس... شعارات مكتوبة على مبنى جمعية المصارف وسط بيروت (رمزي الحاج)
أثار الإجتماع الذي عقد بين وكيل الخزانة الأميركية براين ويلسون وجمعية المصارف مجموعة من الملاحظات المهمة. ففي الشكل لم تتجاوز مدة اللقاء الخاص 15 دقيقة، ما يجعل منه «أمر مهمة» أكثر منه لقاء تعارف وحوار. وقد تقصد المجتمعان تسريب اللقاء لايصال التعليمات إلى من يعنيهم الأمر من المسؤولين اللبنانيين على قاعدة «الحكي إلك يا كنة سمعي يا جارة». أما المضمون فكان أكثر أهمية.




صحيح أن "المحاضر" الأميركي قد لا يكون أتى بجديد من خلال إضاءته على الفساد المستشري بالوقائع والاسماء، وارتهان المصارف لـ"المنظومة"، ودور "حزب الله" في تبييض الاموال ودعم الارهاب... إلا أنه رسم للمصارف "المغلوب على أمرها" حسبما توحي تصريحات أصحابها، مساراً جديداً. ومن يحيد عنه فليتذكر ما أصاب "جمّال ترست بنك".

تحييد المركزي وSIC

اللافت بين سطور المحضر المسرّب عمداً، تحييد نيلسون لـ "المصرف المركزي" و "هيئة التحقيق الخاصة" (SIC)، عن الانتقاد. مع العلم، أنه لم يبقِ "ستراً مغطى". وهو ما يفهم منه بحسب رئيس جمعية المكلفين اللبنانيين المحامي كريم ضاهر أنه "إبراء ذمة للهيئة و"المركزي"، قد يكون مبنياً على تعاونهما الوثيق". وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من خلال مخاطبته المصارف قائلاً: "نحن ندرك أن بعض البنوك قد حددت بالفعل حسابات مرتبطة بهؤلاء الأفراد المحددين (الفاسدين) وقدمت تقارير كثيرة إلى هيئة التحقيق الخاصة SIC، وإننا نحيي هذا الإجراء ونشجع البنوك على الاستمرار في إبلاغ مثل هذه المعلومات إلى الهيئة". مشيراً في مقطع لاحق إلى المحادثات بين الحكومة الاميركية و"الهيئة" في ما يتعلق بمكافحة الفساد و"حزب الله". وكيف يتوجب على الجميع اتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة هذه التحديات".

شهادة حسن السلوك لهيئة التحقيق الخاصة ومن خلفها المركزي، قد تكون برأي ضاهر "إما لأسباب سياسية، وإما لأسباب واقعية وفعلية استناداً إلى تعاونهما إلى أقصى الحدود، وعلى أكمل وجه مع الحكومة الاميركية. من دون الافصاح بالضرورة عن كل الخطوات. فالمساهمة في إدراج كل من داني خوري، وجهاد العرب وجميل السيد على لائحة "أوفاك" (مكتب مراقبة الأصول الأجنبية)، قد يكون رأس جبل جليد التعاون بين الجهتين.

المسؤولية على عاتق المصارف

الواضح أن الخزانة الأميركية حمّلت عبر نيلسون المصارف اللبنانية مسؤولية كبيرة بالكشف والإبلاغ عن العمليات المشبوهة للأشخاص المعرضين سياسياً. ولا سيما أن هناك "نقصاً واضحاً في تحديد مصادر أموال وثروات هذه الفئة. يترافق ذلك مع إنكار المصارف أي علاقة معهم". مع العلم، أنه في بعض الحالات "لا يمتلك السياسيون حسابات لدى البنوك اللبنانية فحسب، بل يمتلكون هذه البنوك أو يؤثرون عليها"، كما وصّف نيلسون الواقع بدقة. هذا التشابك في المصالح بين السياسيين والمصارف، أو كما يطلق عليهم في لبنان إسم "المنظومة" لم يحيّد هيئة التحقيق الخاصة فحسب، إنما "ألقى اللائمة بالتآمر مع السياسيين على عاتق المصارف، محملاً إياها المسؤولية. إنطلاقاً من الاهمية القصوى التي توليها إدارة الرئيس بايدن لمكافحة الفساد"، برأي ضاهر. و"هنا أهمية التدرج الذي اعتمده نيلسون في خطابه، مترافقاً مع الترغيب والترهيب. فقد بدأ بالحديث عن أولوية مكافحة الفساد، من ثم الثناء على دور المصارف في إقصاء "حزب الله" عن النظام المالي مع التشديد على ضرورة إبقاء السيف مصلتاً عليه لعدم حصول خروقات، ليعود إلى الفساد مرة جديدة". ولو أن نيلسون حاول إراحة المصرفيين بمعرفته بالضغوط التي يتعرضون لها، أو عدم إدراكهم في بعض الاحيان أنهم يقدمون خدمات للسياسيين. إلا أن هذا يجب ألا يكون عائقاً أمام التعاون في الأيام القادمة لوقف هذه الظاهرة والتبليغ عن كل العمليات المشبوهة". وهو ما يحمل من وجهة نظر ضاهر "ترهيباً بفرض عقوبات قد تصل إلى حد إقفال المصرف، وترغيباً معطوفاً على دعم من الادارة لمجهود البنوك ودورها في مكافحة الفساد".

الشك في مكانه

نيلسون الذي قد يكون تقصد ذكر "إضافة شركة العرب المياه إلى حاويات القمامة لتضخيم وزنها القابل للفوترة" في معرض حديثه عن العقوبات على الفاسدين، كذّب المصارف بانكار علاقاتها مع السياسيين. وهذا يعيدنا بالذاكرة بحسب ضاهر إلى كتاب المدعي العام القاضي غسان عويدات إلى هيئة التحقيق الخاصة عن التحويلات المالية إلى الخارج. فبعد إحالة "الهيئة" الكتاب إلى المصارف أتى الجواب من جمعية المصارف خطياً أن ليس هناك ما يسترعي الانتباه في ما خص التحاويل التي جرت إلى خارج لبنان، أو حتى التوقف عنده عن السنوات الثلاث الأخيرة. أي منذ بداية الأزمة". ذلك مع العلم أن هناك ملفات مفتوحة في القضاء بحق شخصيات عامة تملك ودائع بملايين الدولارات. وللمثال قضية قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ووديعة 6 ملايين دولار باسم عائلته. ألم يسترعِ هذا الأمر الانتباه"، يسأل ضاهر. ليجيب أن "المصارف لا تتعاون في كل القضايا، بل فقط في البعض منها الذي يطفو على السطح والذي يصبح من المستحيل تخبئته. فهناك مجموعة من السياسيين لم يكشف الغطاء عنهم بعد، إما لوجود تشابك مصالح، وإما بسبب الخوف. وهنا كأن نيلسون يقول للمصرفيين: "لا تخافوا، تعاونوا معنا ونحن نحميكم".

ماذا بعد؟

على الرغم من التهديد والوعيد للمصارف "فان الاخيرة واقعة في مأزق كبير جداً"، يقول ضاهر. فـ"هي ليست محشورة داخلياً فحسب، بل إن هناك ضغوط إعادة الهيكلة، وهي مطوقة من جميع الجهات، ولا سيما بفقدانها الودائع والاموال، وانعدام قدرتها على تلبية السحوبات. بيد أن سياسة "العصا والجزرة" التي تستخدمها الخزانة الاميركية معها ستسهل رضوخها لاعادة الهيكلة في المقبل من الأيام.