زينة عبود

عندما تفقد الاحتفالات وهجها

ليلة الميلاد لا حبشة ولا بوش.. وزيارة بابا نويل ثقيلة

24 كانون الأول 2021

12 : 56


كان يا ما كان قبل سنتين زمان، احتفالات ميلادية تعمّ لبنان طيلة شهر الأعياد المجيدة استعدادا لليلة العيد التي تجتمع فيها العائلات كبارا وصغارا حول مائدة الميلاد الغنية بالمأكولات اللبنانية الشهية وحبشة العيد المعروفة بالديك الرومي ويكون ختامها مسكاً مع "البوش دو نويل".

هذا العشاء الميلادي تنتظره العائلات من سنة الى سنة للتعبير عن المحبة والودّ في زمن قلّت فيه المناسبات الجامعة نظرا الى نمط الحياة السريع الرائج.. ويكون بابا نويل ساعي البريد في هذه الليلة، يأتي محمّلا برزمة من الهدايا يوزّعها على الصغار والكبار ليرتسم على وجوه الجميع فرحُ العطاء.

لكن بهجة العيد خافتة هذا العام بفعل الأحوال الاقتصادية الضيقة التي تلمّ باللبنانيين، وقد بدا ذلك واضحا من خلال الحركة شبه المعدومة في الأسواق وتحديدا في محال الألعاب التي يشكو أصحابها من غياب الموسم. وتقول السيدة جانو وهي بائعة في أحد المحال، إن الحركة لا تزال خفيفة جداً رغم أننا على مسافة أيام معدودة من العيد حتى أن المحال بدأت تفتح أيام الآحاد منذ بداية الشهر لاستقطاب الزبائن ومع ذلك لا حركة لافتة، وتشير الى أن الناس يقصدون المحلات في "الويك آند" أكثر من بحر الأسبوع كونها أيام عطلة بطبيعة الحال لكن الفارق أن الزبون بات اليوم يدقّق بالأسعار أولا وفي بعض الأحيان على حساب النوعية ورغبة الولد بهدية معينة، ويسأل عن ألعاب ضمن ميزانية محدّدة والبعض يغادر خائباً من أسعار باتت تحاكي الخيال.

في أحد محال الألعاب تتجوّل سيدة وبيدها آلة حاسبة، تتفقّد اللعبة تلو الأخرى وتحسب الأسعار.. هي تبحث عن لعبتين لولديها تفرحهما ولا تكسر ميزانية البيت فهناك مدفوعات أخرى كثيرة تتوجّب عليها في العيد من الملابس الى عشاء الميلاد فالهدايا وكلّها باتت مكلفة، تقول السيدة جنان، وعلى وجهها ابتسامة خجولة تخفي وجعا وحسرةً على الأيام التي وصلنا اليها "صارت اللعبة كسرة واللقمة كسرتين والثياب ثلاث كسرات.. حرمونا فرحة العيد، الناس ما عاد معها تاكل وما حدا فارق معو". في نهاية جولتها اشترت لعبتين بعشرين دولارا دفعتها بالليرة المنهارة خمسمئة وأربعين ألف ليرة.

على هذا المنوال، ان زيارة بابا نويل ستكون ثقيلة هذا الميلاد لكن حقيبته ستكون "خفّ الريشة" إذ بالكاد سيحظى كل ولد بلعبة تحافظ على رهجة العيد.

هذا العام لا موائد ميلادية على مدّ عينك والنظر، فأسعار المقبّلات والمعجّنات واللحوم والحلويات وكذلك المشروبات عالية جدا تخضع لبورصة دولار السوق السوداء.

طاولة العيد التي لا تكتمل عادة من دون الحبشة ستنقصها هذا الميلاد الكثير من المكوّنات الأساسية، اذ تراوح سعر الحبشة (5 كيلو) بين ثمانين دولارا ومئة وعشرين دولارا، فلنستبدل الديك الرومي إذاً بدجاجة محشية أو ربّما بلا حشي، وعلى الأرجح ستكون الطبق الرئيسي الأوحد على موائد الميلاد بالنظر الى أسعار لحوم المشاوي بحيث أن لحم الغنم بلغ أربعمئة ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، فيما رسا سعر لحم البقر عند ثلاثمئة للكيلو.

أسعارٌ تلغي اللحوم من معظم قوائم المأكولات ولكن هل تخلو المائدة اللبنانية من المقبّلات والمعجنات التقليدية؟ طبعا لا والهمّة اليوم لربّات البيوت لأن "شغل البيت أوفر وأطيب"..

نصل الى ختام العشاء الميلادي مع الـ"البوش دو نويل" خاصية الميلاد، هنا الأسعار متفاوتة بين باتيسري وأخرى إنما إجمالي الأسعار فتراوح ما بين خمسة عشر دولارا لقالب ثلاثين سنتمترا، وخمسة وثلاثين دولارا للقالب الكبير قياس ستين سنتمراً.

واللافت ان الأسعار لدى الباتيسري الكبرى قد تكون أفضل من تلك الصغيرة حيث حُدّد مثلا سعر حجم القالب 35 سنتم بسبعة وعشرين دولاراً.

ربّما يكون الطبق البديل لكعكة الميلاد هو المغلي وإن كان منقوص القلوبات فهو الطبق التقليدي للتهنئة بالمواليد الجدد.

أمام النكسة الاقتصادية الحاصلة والغلاء الفاحش، لا تتردّد دانيا بالتأكيد أن جمعة العائلة هذا الميلاد ستقتصر على بعض الأصناف التي يمكن تحضيرها في المنزل من مقبلات ومعجنات فيما طبق المشاوي لهذا العام هو البطاطا فقط، لأن المهمّ اليوم ان تجتمع العائلة وتتشارك لحظات الضحك والتسلية التي ستبقى في الذاكرة للسنوات المقبلة.

أساس عيد الميلاد هو الاحتفال بولادة سيدنا المسيح، من هنا تنطلق كارول التي لا تكترث لوليمة العيد لا بل ترى فيها مبالغة، لتقول إن الضائقة المالية قد تفعل فعلها هذه السنة وتعيدنا الى جوهر الميلاد بعيدا من مظاهر الاحتفالات الفارغة فتكون الصلاة والرجاء بغد أفضل هي الأساس وليس الهدايا والولائم الكبيرة.

أما جاكلين فقد وجّهت الدعوة الى كامل أفراد عائلتها الصغيرة والكبيرة الى جلسة صاج ميلادية من حواضر البيت والمشروب شاي مع تدفئة على الصوبيا في بيت الضيعة.

مهما كانت الظروف صعبة واستثنائية لن يحيد اللبنانيون عن حبّهم للحياة.. هذه الثابتة الوحيدة في الأعياد المجيدة فالشعب اللبناني شعبٌ مكافح لا يستسلم أمام مطبّات الحياة والتحديات التي تعترض طريقه. وتؤكد الباحثة في علم الاجتماع الدكتور كمال أبي شديد أن اللبنانيين سيبحثون عن أمور ولو كانت بسيطة للاحتفال بالعيد وستجتمع العائلات حول موائد ميلادية ككل عام وإن كانت متواضعة وعلى "قدّ الحال".

وتشرح أبي شديد ان الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بلبنان أظهرت انقساما حادا في فئات المجتمع، بحيث ان الأغنياء لم يتأثروا بالأزمة بل أنها زادت ثروتهم مع انخفاض كلفة المعيشة بالنسبة اليهم وهذه الفئة هي التي لا تزال تنعش القطاع السياحي في البلد بشكل أساس، فيما هناك فئة صامدة تعتمد على مداخيل عدة لتأمين سبل العيش لكنها تخلّت عن الكماليات والمصاريف غير الأساسية كي تضمن استمراريتها، بينما الفئة الأكبر من الشعب اللبناني هي تلك المكافحة ومعظم أفرادها إما فقدَ مداخيله أو لا تزال رواتبه على دولار الألف وخمسمئة ليرة أي أنها فقدت قيمتها الشرائية، وهي الفئة الأكثر تضررا نظرا الى انعكاس الأزمة الاقتصادية على معيشتهم بدءا من المأكل الى التعليم فالصحة الخ..

وتعتبر ابي شديد ان البحبوحة المصطنعة التي كانت تعمّ المجتمع اللبناني على مدى سنوات مضت انكشفت نتيجة الانهيار الاقتصادي الحاصل وهذا العامل قد يكون الأكثر تأثيرا على الناس وخصوصا فئة الشباب والمراهقين منهم الذين دخلوا في حالة صدمة نتيجة التغيرات التي طرأت على طريقة عيشهم.

MISS 3