جاد حداد

Emma... نسخة ناجحة من أشهر أعمال جاين أوستن

28 كانون الأول 2021

02 : 00

على مر سنتَين كاملتين في منتصف التسعينات، شاهدنا شخصية "إيما وودهاوس" المقتبسة من رواية جاين أوستن في أعمال كثيرة. تحمل النسخة الجديدة Emma مزايا عدة، وهي من بطولة أنيا تايلور جوي ومن إخراج أوتون دي وايلد.

تعيش "إيما" وحدها هذه المرة في عقار ضخم مع والدها (بيل ناي)، لكنّ عالمها مكتظ جداً. لقد قررت الاعتناء بـ"هارييت" (ميا غوث)، وهي فتاة يتيمة لا أحد يعرف والدَيها وتقصد مدرسة محلية للفتيات. تكون "هارييت" معجبة بالسيد "مارتن"، مزارع أرمل ومتواضع (كونور سويندلز)، ويسهل أن نستنتج أن مشاعرهما متبادلة انطلاقاً من طبيعة التفاعلات بينهما. لا تستطيع "إيما" تحمّل هذا الوضع، فتحاول تقريب "هارييت" من القس المريب "إلتون" (جوش أوكونور). لكن سرعان ما تفشل خطتها لأن "إلتون" يقع في غرام "إيما" بدل "هارييت".

تحاول "إيما" دوماً ألا تتعلّق بأحد، لكنها تنجذب إلى رجلٍ يغيب عن نصف أحداث الفيلم: إنه "فرانك تشرشل" الغني الذي يوشك على زيادة ثروته (كالوم تيرنر). ثم تتعثر خطط "إيما" بسبب "جاين فيرفاكس" (آمبر أندرسون)، نسيبة امرأة محلية (ميراندا هارت)، فتصل إلى البلدة وتُعجِب جميع الرجال وتثير استياء "إيما". تبدو "إيما" فتاة مدللة لكن يدرك السيد "نايتلي" (جوني فلين) ما وراء هذه الشخصية. هما يعرفان بعضهما منذ الطفولة ولا تستطيع "إيما" التعامل معه بفوقية. هو لا يسمح لها بذلك لأنه يفهم ما تفعله ولا يحبذ ما يراه، لذا يواجهها بالحقيقة.

التوفيق بين الناس عمل شائك، فهو يتطلب درجة من السلاسة والبراعة والاحترافية. تظن "إيما" في هذه القصة أنها بارعة في ما تفعله مع أنها تُحدِث الفوضى في كل مرة. وعلى عكس معظم البطلات في قصص أوستن، تملك "إيما" ثروتها الخاصة ولا تشعر بأي ضغط كي تتزوج في أسرع وقت. حتى أنها لا تبدو مهتمة بالزواج بل تسعى إلى تزويج الآخرين.

تستعمل المخرجة أوتون دي وايلد أسلوباً أنيقاً وكوميدياً لعرض هذه القصة المليئة بالنشاطات الاجتماعية الجنونية والمعقدة. يُعتبر الجو الساحر من أصعب الصفات التي يمكن عرضها على الشاشات أو تفسيرها بأي طريقة، لكن يطغى سحر حقيقي على هذا العمل. يقدّم الممثلون أداءً ممتازاً، ويضيف كل ممثل عمقاً معيناً إلى شخصيته (حتى الخدم الذين يتنقلون بين الشخصيات الرئيسية ولا يتفوهون بكلمة يحملون فكرة واضحة عن رؤسائهم على ما يبدو. يكفي أن نشاهد تصرفاتهم في خلفية المشاهد!). على صعيد آخر، تعطي النكات المستعملة في بداية الفيلم أثراً كبيراً في المشهد الأخير. هذا النوع من التوازي يتطلب أعلى درجات العناية والحذر لأنه ينجم عن تراكم دقيق للتفاصيل التي تُضاف إلى انطباعٍ واضح مفاده أن سكان تلك القصور الفخمة غريبو الأطوار.



لا تحاول تايلور جوي، وهي واحدة من أفضل الممثلات الصاعدات اليوم، أن تجعلنا نحب شخصية "إيما" ولا تبرر أنانيتها. حتى أنها لا تحاول أن تبدو ظريفة في أي لحظة. كانت أوستن تعرف على الأرجح أن أحداً لن يحب "إيما" (إلا هي شخصياً). سنشاهد امرأة ترمي نفسها في الفوضى لأسبابها الخاصة، مع أنها لا تدرك جزءاً من تلك الأسباب. يقدّم المغني وكاتب الأغاني والممثل جوني فلين دوراً مدهشاً في هذا الفيلم، فيجسّد شخصية البطل الرومانسي الذي يناسب قصص أوستن على أكمل وجه. يبدو "نايتلي" رجلاً مستقلاً وكسولاً بعض الشيء وغريب الأطوار، لكنه لا يعرف نفسه جيداً على غرار "إيما".

انشغلت أوتون دي وايلد على مر مسيرتها بالتصوير وإخراج الكليبات والفيديوات القصيرة. إنه أول فيلم طويل من إخراجها، وهي تقدّم أداءً متقناً ومتماسكاً وتستحق الإشادة على شجاعتها. يطرح الفيلم رؤية جريئة بأسلوب مميز، وتتضح مزاياه بفضل مدير التصوير كريستوفر بلوفيلت، ومصمّمة الأزياء ألكسندرا بيرن، ومصمّم الإنتاج كايف كوين. تتماشى جميع التفاصيل مع أجواء العمل، فتعكس الأفكار المطروحة بأفضل الطرق، وتسلّط الضوء على سطحية المجتمع الراقي في تلك الحقبة، وتُعبّر في الوقت نفسه عن التقلبات الكامنة في المشاعر البشرية التي تحاول الشخصيات إخفاءها أو قمعها بأي ثمن.

لقد أدركت المخرجة والممثلون عموماً طبيعة قصص أوستن والازدواجية التي تطغى على شخصياتها. قد لا يُركّز العمل على التناقض في موقف "إيما" تجاه الزواج، مع أنه جانب واضح من شخصيتها، لكنّ الكيمياء المدهشة واللحظات الرومانسية التي تجمع بين "إيما" والسيد "نايتلي" (أي تايلور جوي وفلين) قد تكون كافية للتغاضي عن الشوائب الأخرى.


MISS 3