جاد حداد

The Witcher... الموسم الثاني يتعثّر بقدر الأول

31 كانون الأول 2021

02 : 00

لا مفر من أن نشعر بالإحباط حين نشاهد المسلسل الشهير The Witcher (الساحر) على شبكة "نتفليكس" لأنه يشمل عناصر تضمن له النجاح ولكنه يفشل دوماً في جمع هذه العوامل الإيجابية لتقديم عمل ترفيهي ممتع. كان الموسم الأول غير مفهوم بالكامل لأنه يعجّ بالشخصيات والوحوش والحوارات المحتدمة لدرجة أن يخسر المشاهدون اهتمامهم بما يحصل. يبدو أن القيّمين على العمل أخذوا هذا الانتقاد بعين الاعتبار، فقد أصبحت الناحية السردية في الموسم الثاني أقل تعقيداً مما كانت عليه. لكن يفتقر هذا الموسم أيضاً إلى الزخم الذي يحتاج إليه هذا النوع من الأعمال لترك الأثر المنشود في نفوس المشاهدين. تدور الأحداث في عالمٍ مدهش قد يرغب الجميع في تمضية الوقت فيه لكن سرعان ما يصبح الملل سيّد الموقف. الوضع أشبه بحضور حفلة فاخرة تكون فيها الزينة مذهلة لكنها تخلو من الشخصيات المثيرة للاهتمام.

يبدأ الموسم الثاني بطريقة واعدة جداً لأنه يتخلى عن التسلسل الزمني والسردي الذي اعتمده الموسم الأول، فيروي قصته بأسلوب ذي طابع مألوف. تكثر المظاهر التقليدية في الموسم الجديد، مع أن المسلسل يقدّم أفضل ما لديه دوماً حين تظهر عناصر التصميم المبهرة بطريقة سريالية وغريبة. يبدو جزء من تصميم الكائنات في هذا الموسم لافتاً جداً، وينجح العمل في تجديد حيويته في أهم اللحظات المحورية، لا سيما حين تتأرجح السيوف في وجه وحوشٍ لم نشاهدها سابقاً.



كانت الفوضى التي انتهى بها الموسم الأول كفيلة بالجمع بين "جيرالت" من ريفيا (هنري كافيل) والأميرة "سيري" (فريا آلن) أخيراً. نتيجةً لذلك، سيتغير دور "جيرالت" هذه المرة، فلا يعود شخصاً هائماً وكئيباً بالقدر نفسه بل إنه أقرب إلى شخصية أبوية في هذا الجزء. قد تكون الحلقة الأولى A Grain of Truth (ذرة الحقيقة) الأفضل كونها تُركّز على عناصر التصميم التي تعطي أقوى مفعول في هذا الموسم. يَعْلَق "جيرالت" و"سيري" في أحد القصور مع كائن لطيف، لكنه يخفي سراً قاتماً. تُركّز القصة على طريقة السرد وتتكل على تصاميم شبه قوطية وتتّسم بأسلوب متماسك ومميز. تنجح هذه العناصر في طرح أبرز الأفكار التي يحملها هذا الموسم، وتُذكّرنا بالجوانب المظلمة من القصة، وتمنح كافيل وآلن تحولات لافتة في دورَيهما. لكنّ هذا التماسك كله لا يدوم طويلاً للأسف.

بعد الحلقة الأولى، يصل "جيرالت" و"سيري" إلى مكان اسمه "كير مورين"، وهو الموقع الذي تتعلم فيه الأميرة أن تدافع عن نفسها فيما تتجوّل الكائنات الأخرى في محيط المكان. تشكّل الآثار الثلجية في "كير مورين" موقعاً مدهشاً وتتّضح براعة الإخراج الفني في هذه اللقطات تحديداً، فتبدو المواقع مشابهة لتلك التي تشملها لعبة الفيديو الممتعة The Witcher 3. لكن تكثر الشوائب في المشاهد المُصوّرة في "كير مورين" أيضاً. يجد المسلسل صعوبة دائمة في التوفيق بين المشاهد المبنية على قوة الحوارات والأحداث الكفيلة بتحريك الحبكة. قد يكون الحفاظ على الإيقاع المناسب في هذا النوع من الأعمال صعباً، إذ تبدو كل حلقة أطول مما هي عليه بشكل عام.

تتضح سلبيات هذه التقلبات المتواصلة في الحبكة على مستوى الخط السردي المرتبط بشخصية "ينيفر" في هذا الموسم. كانت الممثلة أنيا شالوترا التي تؤدي هذا الدور قد سرقت الأضواء في الموسم الأول، لكنّ إبعاد شخصيتها عن محور القصة في الجزء الجديد يعطيها طابعاً تائهاً ومتخبطاً، أقلّه في النصف الأول من الموسم. يظن "جيرالت" أن "ينيفر" ماتت، لكنها تنشغل فعلياً في التعامل مع مجموعة من الأقزام في مكان اسمه "زينتريا". هذا الجانب من القصة يكشف نقاط ضعف كثيرة في كتابة المسلسل. شالوترا ممثلة حيوية جداً وقد جمعتها كيمياء ممتازة مع كافيل في الموسم السابق، لكن يبدو أن شخصيتها تُستعمَل هذه المرة للتعريف عن شخصيات جديدة ستكون لها أهمية معينة مستقبلاً بدل تطوير الأحداث المرتبطة بها. من الواضح أن هذا الخط من القصة مستوحى من Game of Thrones (صراع العروش)، لكن يفشل الكتّاب في مضاهاة براعة ذلك العمل في سرد قصته رغم وفرة شخصياته وتفاصيله.

باختصار، يقدّم الموسم الثاني أفضل أداء له حين تخسر الحبكة الأساسية أهميتها. يُلمِح المسلسل إلى أفكاره الكامنة والوجهة التي يستعد لاتخاذها في لحظات محددة: حين يقرأ كافيل مثلاً عبارة ذكية، وفي معركة محتدمة بالسيف، وخلال تبادلات غير متوقعة، وعندما تُذكّرنا المشاهد بحجم الميزانية المخصصة للتصاميم والمؤثرات البصرية. يأمل محبو اللعبة الأصلية والقصص الخيالية وطاقم الممثلين دوماً في أن يرقى العمل إلى مستوى توقعاتهم لكن لم تتحقق أمنيتهم بعد.


MISS 3