شربل داغر

محمود درويش في أوراقي

14 تشرين الأول 2019

00 : 16

لم أكتب، في كتابي الجديد: "محمود درويش يتذكر في أوراقي: أكتب لأنني سأعيش"، سيرة محمود درويش (1941-2008)، لا التامة ولا الجزئية، على الرغم من دهشة أي ناشر، وأي متابع للحياة الثقافية العربية، إذ يتحقق من أن "شهرة" درويش، المتبوعة بموته الصادم منذ نيف وعشر سنوات، لم تنتج سيرة واحدة له، وبأي لغة كانت. مع ذلك، يجد القارئ عشرات الكتب عنه (بين حوارات ودراسات نقدية)، ولكن من دون سيرته، إلا في شذرات موزَّعة هنا وهناك (من دون أن تكون مدققة بالضرورة)، أو في مسلسل تلفزيوني عن حياته شابَه الكثير من المغالطات.

هذا ما يصحُّ في غير درويش أيضاً، مِمّن اشتهروا قبله، مثل نزار قباني. وهو ما يصحُّ في "مشاهير" السينما والغناء، من أمثال: محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وفيروز، وعبد الحليم حافظ وغيرهم الكثير، فلا تجد عنهم سيَراً مضبوطة. يجد القارئ بعض الكتب "الخفيفة"، أو بعض الدراسات "الجادة"، ولكن من دون أن تبلغ كتابة السيرة، كما نلقاها في الآداب الأجنبية، وفي "نجاحات" دور نشر عالمية عديدة: هذا يحتاج إلى بحث خاص، من دون شك، إذ إنه يطاول عادات الكتابة، والتوثيق الإخباري، وكتابة السير والمذكرات واليوميات

وغيرها، ما يشير إلى تعطل أكيد، أو إلى مصاعب بين إفصاح وبوح واعتراف (من قبل "النجم") وبين احتياج القارئ إلى مثل هذه "الشهادات" الموثقة. ومن يتابع أخبار وسائل الاتصال الاجتماعي يتحقق من انتشار هائل لحكايات وأخبار عن "النجوم"، مختلقة أو مشتهاة أو مبتورة من سياقاتها في جوانب كثيرة منها؛ وهي تُروج وقابلة للتعميم والانتشار، ولا تُعْرَض بالمقابل لأي فحص أو نقد أو تصويب أو استدراك.

أطلقتُ على كتابي هذا تسمية مناسبة لِما أصابني، إذ وجدتُ درويش يستفيق في كلماتي، بعد أن راحت الصور والذكريات والكلمات تكرُّ من تلقاء نفسها، من موادعها الدافئة. كانت أشبه بـ"وديعة" مِما انفجر من مياهه الجوفية بمجرد ما إن عدتُ إلى أوراقي القديمة، وما إن دونتُ عباراتي الأولى في هذا الكتاب. تُضاف إلى ذلك مجموعة من الحوارات أجريتُها مع درويش بين العام 1979 والعام 1986، وأعيد نشرها في الكتاب.

بل يمكنني التصريح بأن هذا الكتاب اتخذ خطته الكتابية بعد وقت، إذ باشرتُه مسترسلاً، متابعاً التدفق الداخلي، غير أنني ما لبثتُ، بعد وقت، بعد كتابة عشرات الصفحات، أن عدتُ ونظمت وأضفت وحذفت، وأقمتُ ترتيبًا داخليّا له ما بلغ حالة كتابي الحالية.


MISS 3