تولاي بوقداحة

بين السيناريو والإنتاج... ما هو وضع سوق الدراما اليوم؟

17 شباط 2022

02 : 00

في ظل الأعمال الدراميّة التي تعرض على الشاشات، لا بدّ من التعمّق بما خلف الغلاف التسويقي للمسلسلات المعروضة، لأن وراء كلّ عمل فكرة تُنافس السوق وسيناريو يرسم مسلسلاً ومبدعين يحاكون المشاهد بأفكارهم وفنّهم. في هذا الصدد، أجرت "نداء الوطن" مناقشة حول أُسس السيناريو وموقعه في سوق الدراما اليوم.

"السيناريو أساس العمل التلفزيوني فلا مسلسل بلا قصة"، هكذا أعرب كلّ من ضيوفنا عن أهمية السيناريو في العمل المصوّر. فالكاتب شكري أنيس فاخوري أوجز موقفه بمقولةٍ لجفري كاتزنبرغ، الرئيس السابق لشركة "والت ديزني" قائلاً: "في عالم صناعة الأفلام المذهلة، يجب ألا نحيد عن مفهوم أساسيّ واحد: الفكرة هي الملك..." أي أنّ الفكرة هي أساس العمل الدرامي، إمّا تكون ناجحة أو هشّة".

ويعتبر كاتب "العاصفة تهب مرتين"، أن "كتابة السيناريو ليست فنّاً فحسب بل علم قائم بذاته ولا تقتصر الفكرة على الموضوع فقط بل هي عبارة عن بناءٍ دراميٍّ غنيّ ذي معالجة منطقية لا يمكن لأي كاتب أن ينجح بمداواتها".



المخرج سمير حبشي



تتفق كلوديا مرشليان مع فاخوري وتؤكد أنّ "القصة تأتي أولاً"، فهي ترى أنّ "ضخامة الميزانية والإنتاج لن تخفي ركاكة النص، والمُشاهد يستطيع التمييز بين عمل وآخر وقد يتوقف عن متابعة مسلسل ما عند شعوره بالملل أو الاكتفاء".

وتضيف: "ماذا يريد أن يخبرني الكاتب؟ عمّا تتحدث فكرة المسلسل؟ تساؤلات ترافق المُشاهد في رحلته الدرامية؛ وإذ تغيَّب عن سبب متابعته للمسلسل رُفعت راية سقوط النص فتناثر إلى أجزاء مشتّتة ولا يبقى من الدراما إلا الإنتاج والإخراج الفني. وأهلاً بكم في عالم الصورة بلا مضمون. الأفكار والمواضيع الدراميّة كثيرة ولكن عدداً قليلاً يُتقن معالجتها بطريقة واقعية وضمن بناء درامي سليم ومتماسك. وكتابة الدراما تحتاج إلى مكابدة خاصة، على الكاتب أن يدرس موضوعه وشخصياته بدقّة ويطرح جدليته بوضوح قبل أن يبدأ رسم المشاهد. ناهيك عن ذلك، يولد نص متكامل جاهز للإنتاج".


كلوديا مرشليان


الانتاج... عنصر اساسي

"الكاتب المش قادر يأمن عوامل انتاج مرتّبة لعمله، أفضل يقرا حلقة منه كل ليلة قبل ما ينام أحسن من إنه يبيعه وما يكون على ذوقه." هكذا تعلق كاتبة السيناريو نادين جابر. وتعتبر كاتبة "للموت" و"صالون زهرة"، أنّ "ميزانية العمل تلعب دوراً فعالاً في مساعدة المخرج بنقل الخيال الورقي إلى واقع ملموس بحذافيره والذي يتطلب مجهوداً فكرياً وماليّاً ضخماً".

ولا تنكر جابر أنّ اسم شركة الإنتاج محفز كبير لنجاح المسلسل التلفزيوني، أيّ أنّ شركات الإنتاج حصلت على سمعتها بعد أن قدمت للمشاهد مستوى عالياً من المشاريع التمثيلية فكانت هي العلامة الفارقة في ساحة المنافسة، مضيفةً أنّ "الكاتب يبحث دوماً عمَّن يستخرج من نصّه الأفضل، فيجعل كلماته واقعاً قريباً من المشاهد".

وفي هذا الاطار يعود شكري أنيس فخوري ويقول: "أنا بحلم بقصص اكتبها، بطلّع بالواقع بلاقي صعب حققها"؛ لا شك أنّ الإنتاج يؤثر بنوعية العمل المصوّر، ولعل مُتابِع الإنتاج الدرامي يدرك أن العنصر المادي هو عنصر أساسي في الأعمال التلفزيونية ويؤمّن المستلزمات اللازمة لجعل عالم الخيال واقعاً ملموساً بكافة تفاصيله. وأحياناً أخرى، يحتفظ الكاتب بأفكاره الصعبة التحقيق لسوء التمويل لنفسه، وتصبح خيالاً ضمن الخيال أو حلماً على ورق في احدى سحاب الأمل".

أمّا مرشليان فأوضحت في هذا السياق أنّ "أفق الدراما وواقعها مع السوق هي عرض وطلب وأنّ الفن خُلق ليُنشر، والكاتب الدرامي لا يكتب السيناريو لنفسه بل يعيش تفاصيله ويسلط ضوءه من قلمه على الجمهور. وبالتالي يبحث عن شركة إنتاج تستثمر في بلورة حفاوة قلمه وتبدع في عرضها".


نادين جابر


تشابه السيناريو

بنظرة بانورامية سريعة على شريط الدراما اللبنانية، يمكننا أن ندرج بعض الأعمال تحت عناوين مشتركة. وبين مسلسلات وقعت في أيادي نقّاد كبار، ومسلسلات شَغِلَت حديث الجماهير، يبقى ملف التشابه والاقتباس بين كتّاب السيناريو يستدرج الإعلام ويفتح الأسئلة أمام بوابة مغلقة فلا إجابة واضحة تلاقي الإجماع عليها ولا إجابـات تنهي حديث الجماهير.

في هذا السياق، تعلق نادين جابر قائلةً إنّه "إذ تعمقنا بالنصوص المعروضة للمسنا تشابهاً وطيداً بين كتّاب السيناريو. فإنّ المضامين الدرامية قد سبق وطرحت في مختلف الابداعات المرئية والمسموعة"، ملحقةً كلامها بمثال عن عَمِلِها البوليسي "2020"، مشيرةً الى أنّ "فكرة هذا العمل ليست حديثة بل كثيرة الاستخدام في الأعمال السينمائية والتلفزيونية الغربية بالأخص. ولكن يتميز الكاتب الناجح بطريقة معالجة الموضوع المتداول، ما يخلق له هوية خاصة عن باقي الأعمال"، جازمةً أنّ: "سيناريو المسلسل التلفزيوني يختلف عن سيناريو السينما، حيث أنّه يمتد لحلقات متعددة ومتتابعة وعلى الكاتب أن يعالج حبكته بذكاء. لذلك ليس غريباً أن يكفّ المشاهد عن متابعة المسلسل بعدما تكررت الحبكة والقصة في عرض آخر".

أمّا بالنسبة لمرشليان فانّ "الدراما اللبنانية والعربية اليوم، تميل بمعظمها نحو الحركة التفاعلية الواقعة في "الأكشن والغموض والتشويق". ومع كثرة هذه المواضيع وتشابه الحبكات، وجد المشاهد نفسه أمام شاشة رومانسية تركية مدبلجة مبتغياً التنوع بالمحتوى. كما أن معالجة فكرة مطروحة مسبقًا تتطلب جهداً كبيراً ولكن من الصعب الخروج بفكرةٍ جديدة تحاكي الواقع وتنقل الصورة للمشاهد بمضمون لم يعرض من قبل".


شكري أنيس فاخوري


الإخراج: من الخيال إلى الملموس

لا يحوّل المخرج النص من كلمات إلى مشاهد، بل يُخرج من المكتوب رسائل فنيّة ويرسمها بأسلوبه الخاص. فما رأي المخرج سمير حبشي بسوق الدراما اللبنانيّة؟

يرى مخرج "الإعصار" أن "بعض الأعمال الدراميّة اللبنانيّة بعيدة كل البعد عن الهوية الثقافيّة، فعلى السيناريو الناجح أن ينقل الواقع والحقيقة في نفس الوقت للمشاهد. كما أن المسلسلات التلفزيونية نتاج ثقافي ينبع من حال المجتمع السائد فهي هوية عابرة للقارات ملوّنة بطابع الانتماء، وتتميّز بحبكاتها التي لا تشبه غيرها". ويكمل حديثه معلّقاً على المحتوى المقتبس عن الغرب ولا سيما أنه يرفض "لبننة" الأفكار الأجنبية التي لا تنتمي إلى مجتمعنا مهما عُدّلت وتم التلاعب فيها، فبحسبه "هذه السيناريوات التجارية لن يتذكرها التاريخ". وبالنسبة له إنّ "العالم العربي ولبنان بالأخص يتمتع بعناصر إنتاجية ضخمة تخوله إنتاج أعمال ناجحة تصل للجمهور الغربيّ ولكن ينقصه الوعي والإدراك في صناعة الدراما".

"وبين التفنن وعرض العضلات، يقع السيناريو والمسلسل ضحية المخرج" يقول حبشي، مضيفاً أنّ "المخرج يضيف نظرته للنص، ويخرج منه غير المكتوب. وهناك بعض النصوص التي لا تتحمل الضخامة الإخراجية تبعاً لنوع سردية القصة، لذلك على المشاهد أن يشعر بجمالية النص وتماسكه في سماته الإخراجية بالصورة. فالسيناريو والإخراج خط واحد لا يفترقان، فالكاتب والمخرج يترجمان نجاحهما بكيفية نقل الكلمة في الصورة".


MISS 3