جاد حداد

Boy Swallows Universe... خليط من الواقع والخيال

25 كانون الثاني 2024

02 : 02

يتمتع مسلسل Boy Swallows Universe (فتى يبتلع الكون) المقتبس من رواية ترانت دالتون الشهيرة بمرونة مدهشة في إيقاعه ومواضيعه، فهو يتنقل بين اليأس والسعادة بكل سلاسة. يعرض المخرجون بهارات نالوري، وجوسلين مورهاوس، وكيم موردانت، قصة معقدة تشبه ألعاب الفيديو والقصص الخيالية، فتنخلط الأجواء الصاخبة مع واقعية ساحرة.

على غرار الكتاب الأصلي، تدور الأحداث في مدينة «بريسبان» الأسترالية التي ينتمي سكانها إلى الطبقة الدنيا في العام 1985. إنها مدينة مليئة بالمجرمين ومثيري المشاكل في محيط بطل القصة «إيلي» البالغ من العمر 13 عاماً (فيليكس كاميرون ثم زاك بورغيس). يشمل المحيطون به مُرشده «سليم» (براين براون)، ووالده «روبرت» (سايمون بايكر)، ووالدته «فرانسيس» (فيبي تونكين)، وحبيبها «لايل» (ترافيس فيميل). سنتعرّف أيضاً على شقيقه الأبكم «غاس» (لي تايغر هالي) الذي يتواصل مع المحيطين به عبر كتابة الكلمات بإصبعه في الهواء. تظهر تلك الكلمات أمام المشاهدين على شكل أحرف تشبه الكتابة التي نشاهدها من طائرة صغيرة في السماء.

تبدأ الأحداث حين يجرّ رجال عصابات «لايل» ويضعونه في صندوق سيارة: إنه مشهد أولي مشحون يليه كلام إيجابي ومختلف من «إيلي» الذي يقول: «أمّنا هي الأفضل في العالم». يعكس هذا الكلام جوهر المسلسل كله: إنه خليط من وقائع الراشدين البشعة ونظرة الشباب النابضة بالحيوية.

يرتكز السيناريو عموماً على مجموعة من الأفكار أكثر مما يتكل على حبكة رئيسية، فنشاهد مثلاً «إيلي» وهو يساعد «لايل» في تجارة المخدرات، ويتواصل مع شخصيات مريبة، ويتعامل مع متنمرين في المدرسة، ويتبادل الرسائل مع رفيق مسجون (آدم بريغز). تتكرر مشاهد يظهر فيها «إيلي» و»غاس» في سيارة تطير في الفضاء. تبدأ هذه اللقطات على شكل حلم، لكنها توضع لاحقاً في سياق مثير للاهتمام وتنتقل إلى عالم من الذكريات أو مجموعة من لقطات الماضي.

بشكل عام، تبدو أجواء المسلسل أخف من الرواية الأصلية التي تتخذ منحىً أكثر تشاؤماً وقذارة. تتعدد الأحكام التي يمكن إصدارها على كتاب دالتون. يستحق هذا الكاتب الإشادة طبعاً لأنه يبرع في كتابة القصص الواقعية، لكن تفتقر هذه القصة بالذات إلى الزخم الكافي وتبدو الحبكة الرئيسية عشوائية. تحمل بنية المسلسل طابعاً فوضوياً أيضاً، لكن لا مفر من أن نشعر بأن مخرجي العمل حافظوا على تماسك القصة قدر الإمكان.

تتعلق أكبر مشكلة على الأرجح بالحلقة الأخيرة وأحداثها المخيّبة للآمال. هي تتخبّط بكل وضوح في نقل نهاية الكتاب الجامحة. يكفي أن نقول إن الخاتمة الدرامية والأحداث التي تُمهّد لها تزعزع توازن المسلسل كله. تتخذ الأحداث منحىً كرتونياً بسرعة فائقة، حتى أننا قد نتوقع أحياناً أن تظهر شخصية مريبة في أحد المشاهد وتقول: «كنتُ لأفلت من العقاب حتماً لولا تدخلّكم أيها الأولاد»!

في المقابل، تتعدد الجوانب المبهرة في هذا المسلسل. يبرع المخرجون في تصوير الجرائم والأعمال القذرة بطريقة غير مألوفة، فيختارون درجات ألوان حيوية ولقطات نابضة وفكاهية للتعبير عن الأجواء العامة. كذلك، لا يستخف العمل في أي لحظة بالشخصيات التي يقدّمها، لكنه لا يغفل عن تصرفاتهم المريعة أيضاً.

يتّسم الممثلون بقوة الأداء بشكل عام. يقدّم فيميل أداءً حيوياً بدور «لايل»، ذلك الرجل الذي يتخذ خطوات جنونية طوال الوقت ويبذل قصارى جهده لتحقيق ما يريده لكنه يفشل بأسوأ الطرق دوماً. في غضون ذلك، تجسّد تونكين دور «فرانسيس» بأسلوب مقنع، فتنجح في تقديم خليط معقد من الحنان والعذاب. أما بايكر، فتبدو عيناه ثقيلتَين وحمراوَين بسبب تأثير الهيروين، وهو ينجح في تقديم دور والد «إيلي» و»غاس» باعتباره شخصية تناضل للمضي قدماً رغم جميع المشاكل، فيحارب طوال الوقت شعوره بأن الأوان فات على بدء حياته من جديد.

في ما يخص بطل القصة، يقدم كاميرون ثم بورغيس أداءً جيداً بدور «إيلي»، لكن يفتقر حضورهما إلى عامل الجذب لأنهما يبدوان على الأرجح الأكثر نظافة وترتيباً في هذا العالم القذر. قد يكون هذا الجانب مقصوداً للتشديد على نقاوة هذه الشخصية، إذ تشكّل حيوية «إيلي» نقيضاً لشخصيات الراشدين من حوله، ومع ذلك لا يبدو اختيار هذين الممثلَين صائباً في جميع اللحظات. كان يمكن أن يطلب صانعو العمل من الممثلَين الشابَين تقديم أداء أكثر اضطراباً وتخبّطاً بأسلوبٍ يعكس مظاهر البراءة والتفاؤل شرط أن يحتفظ أداؤهما بطابع خَشِن تماشياً مع أجواء العمل.

MISS 3