٥ آلاف عالَم خارج النظام الشمسي

02 : 00

في كانون الثاني 1992، غيّر جسمان كونيّان مجرّتنا إلى الأبد! حصلنا للمرة الأولى حينها على أدلة ملموسة تثبت دوران كواكب خارج المجموعة الشمسية حول نجم فضائي: إنهما عالمان صخريان يدوران حول نجم على بُعد 2300 سنة ضوئية.

اليوم، بعد مرور ثلاثين سنة على ذلك الاكتشاف، تضخّم هذا الرقم فجأةً. في 21 آذار الماضي، تأكد العلماء من اكتشاف بالغ الأهمية: يفوق عدد الكواكب الخارجية عتبة الخمسة آلاف. يصل الرقم الدقيق إلى 5005 كواكب تم توثيقها الآن في أرشيف الكواكب الخارجية في وكالة "ناسا"، ويحمل كل كوكب منها معالم استثنائية خاصة به.

ظهر كل واحد من هذه الكواكب الخارجية في أبحاث خضعت لمراجعة النظراء، وتم اكتشافها عبر استعمال تقنيات رصد أو طرق تحليل متعددة.

تُمهّد هذه الاكتشافات لإجراء دراسات متابعة واكتشاف معلومات إضافية حول هذه العوالم عبر استخدام أدوات حديثة مثل "تلسكوب جيمس ويب الفضائي" الجديد و"تلسكوب نانسي غريس رومان الفضائي" المرتقب.

تقول عالِمة الفلك، جيسي كريستيانسن، من "معهد علوم الكواكب الخارجية" في "معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا" التابع لوكالة "ناسا": "هذا ليس مجرّد رقم. يمثّل كل واحد من هذه الأجسام عالماً حديثاً أو كوكباً جديداً بالكامل. شعرتُ بحماسة شديدة تجاه كل واحد منها لأننا لا نعرف شيئاً عنها".

كان أول عالمَين اكتشفهما عالِما الفلك ألكسندر فولسزان وديل فريل عبارة عن كوكبَين خارجيَّين يبلغ حجمهما 4.3 و3.9 أضعاف كتلة الأرض على التوالي، وهما يدوران حول نجم ميت يُعرَف باسم النجم النابض في الميلي ثانية، ما يعني أنه يرسل "نبضات" من موجات الراديو في نطاق زمني بالميلي ثانية.

تم اكتشاف كوكب خارجي ثالث يدور حول النجم في العام 1994، لكنه أصغر بكثير ويقتصر حجمه على 0.02 من كتلة الأرض وقد سُمّي "ليش" منذ ذلك الحين. ثم سُمّيت الكواكب الخارجية الثلاثة "بولترغايست" و"فوبيتور" و"دراغر" على التوالي.

يعني هذا الاكتشاف أن المجرة كانت تعجّ بهذه الأجسام. تدخل النجوم النابضة في خانة النجوم النيوترونية: إنها النوى الميتة للنجوم الضخمة التي قذفت معظم كتلتها ثم هبطت تحت تأثير جاذبيتها. يبدو مسار تشكيلها متطرفاً جداً وغالباً ما يشمل انفجارات هائلة. يوضح فولسزان: "نظراً إلى اكتشاف الكواكب حول نجم نيوتروني، يُفترض أن تكون الكواكب موجودة في كل مكان. ويجب أن تكون عملية إنتاج الكواكب متينة جداً". لكن تبرز مشكلة أخرى. كانت التقنية المستعملة لرصد هذه الكواكب الخارجية ترتكز على التوقيت المنتظم للنبضات المنبثقة من النجم، علماً أنها تتغير قليلاً بسبب تأثير الجاذبية على الأجسام التي تتابع الدوران.

هذه التقنية تقتصر على النجوم النابضة، فهي لا تناسب نجوم التسلسل الرئيسي التي لا تحمل نبضات منتظمة بالميلي ثانية. لكن عندما أطلق عالِم الفلك ويليام بوروكي من وكالة "ناسا" منهجية العبور التي ترصد تراجعاً خافتاً ومنتظماً في ضوء النجوم حين يمرّ كوكب خارجي بين الأرض والنجم المضيف، تلاحقت الاكتشافات في علم الكواكب الخارجية.

ساهم "تلسكوب كبلر الفضائي"، الذي انطلق في العام 2009، في رصد أكثر من 3 آلاف كوكب خارجي، ومن المنتظر أن يتأكد من وجود 3 آلاف كوكب آخر قد تُضاف إلى القائمة.

بالإضافة إلى منهجية العبور، يستطيع علماء الفلك أن يدرسوا أثر الجاذبية الذي تنتجه الكواكب الخارجية على النجوم المضيفة. فيما تدور الأجسام حول مركز مشترك للجاذبية، يتمايل أحد النجوم في ذلك الموقع على ما يبدو ويُغيّر الأطوال الموجية في الضوء النجمي.

عند معرفة كتلة النجم، تصبح دراسة مستوى تمايله لاستنتاج كتلة الكوكب الخارجي ممكنة. وعند معرفة درجة سطوع النجم، يمكن احتساب حجم الكوكب الخارجي أيضاً.

هكذا يعرف العلماء بوجود كواكب خارجية في الكون، وهي تكون مختلفة جداً عن تلك التي نرصدها في نظامنا الخاص.

تُعتبر "أشباه المشتري الساخنة" مثلاً أجساماً غازية عملاقة تقع في مدارات قريبة جداً من نجومها، ويؤدي هذا القرب إلى ارتفاع حرارة الكوكب الخارجي بما يفوق بعض النجوم.

أما "أشباه نبتون المصغّرة"، فهي تتمتع بحجمٍ وكتلة يتراوحان بين الأرض وكوكب نبتون وقد تكون صالحة للسكن. ولا ننسى طبعاً "أشباه الأرض الخارقة" التي تكون صخرية مثل كوكب الأرض لكنها تساوي أضعاف كتلته. لا تزال المعلومات التي نجهلها عن هذا الموضوع كثيرة نظراً إلى صعوبة دراسة الكواكب الخارجية بطريقة مباشرة، فهي صغيرة وخافتة وبعيدة جداً، وغالباً ما تكون قريبة من نجم ساطع حيث يسحب الضوء كل ما يعكسه الكوكب الخارجي. حتى إننا لا نعرف شيئاً عن عوالم كثيرة أخرى في الكون لأنها تتجاوز عتبة تقنيات الرصد المستعملة راهناً. لكن قد تتغيّر هذه العتبة خلال السنوات المقبلة بعد تطوّر التكنولوجيا وظهور تقنيات تحليلية جديدة، وقد نكتشف حينها مجموعة عوالم متنوعة تفوق أكثر أحلامنا جنوناً. حتى إننا قد نجد آثار حياة خارج النظام الشمسي.

في النهاية، يستنتج بوروكي: "أشعر بأعلى درجات الرضى وتنتابني دهشة عارمة عند رؤية محتوى الكون. لم يتوقع أحد منا اكتشاف هذه المجموعة المتنوعة والهائلة من أنظمة الكواكب والنجوم. إنه أمر مدهش".


MISS 3