وليد شقير

"الحزب" والاحتياط إزاء المتغيرات

13 نيسان 2022

02 : 00

مثله مثل سائر الفرقاء اللبنانيين، يفترض أن يدقق «حزب الله» في المشهد الإقليمي الدولي، في ضوء التغييرات التي أحدثتها الحرب بين روسيا والدول الغربية في أوكرانيا على المسرح الدولي، إذا كانت سترسو على معادلة لمصلحة راعيه الأساسي وداعمه، أي إيران ومرشد الجمهورية الإسلامية، ومرشده وولي أمره السيد علي خامنئي، وداعمه «حرس الثورة»، أم أنها سترسو على معادلة لغير مصلحة طهران. وفي الحالتين ستكون هناك ترجمة لهذا الاتجاه أو ذاك على المنطقة وبالتالي على دوره في لبنان، حيث تتنافس أطراف الحرب نفسها في أوكرانيا على تثبيت النفوذ والتأثير. وهو تنافس يزداد وضوحاً كما تشهد على ذلك التحركات والنشاطات الأوروبية والفرنسية على الأخص، مقابل ارتفاع وتيرة النشاط الروسي عبر الانفتاح على القوى السياسية قاطبة من خلال استقبال الزعامات اللبنانية، واهتمامها بالانتخابات النيابية والاستحقاقات التي ستليها. فموسكو تهتم لميزان القوى الذي سينجم عن الانتخابات النيابية اللبنانية، لأنها تأمل أن يكون لها حضور عبر أصدقاء وحلفاء، في المجلس النيابي المقبل.

ومثله مثل سائر الفرقاء، يترقب «حزب الله» ما إذا كانت انعكاسات الاتفاق على النووي في فيينا ستأتي لمصلحة إيران وحرس الثورة والمرشد، أم أن التعقيدات التي حالت حتى الآن دون إنجاز الاتفاق، بسبب مطالب طهران رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب ستلقى استجابة الولايات المتحدة الأميركية أم لا، فينعش ذلك وزنه الراجح في التركيبة اللبنانية ويضعف خصومه الذين اتسعت دائرتهم، في الوسطين المسيحي والإسلامي، أو أن تحقيق هذا المطلب الإيراني مرتبط بتنازلات من إيران في الإقليم تبدأ من اليمن مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا وفلسطين ولبنان. وفي هذه الحال، وإذا تجاوبت طهران مع المطلب الأميركي، فهل تبدأ بخفض تدخلاتها في الدول العربية، باليمن، لأنه ليس أولوية بقدر العراق وسوريا ولبنان وتبقي على موقعها المتفوق في سائر الميادين؟

إذا كانت الأجوبة على مصير الدور الإيراني الإقليمي معلّقة، وتنتظر في جانب منها ليس فقط التفاوض الأميركي الإيراني، بل التفاوض السعودي الإيراني المفتوح على شتى الاحتمالات أيضاً، فمن الطبيعي أن يقلق الحزب من أن يلقى اتساع دائرة المعارضة الداخلية لدوره في لبنان عبر سطوة السلاح، وداخل المؤسسات وتحديداً على الموقع المسيحي الأول، صدى لدى دول الغرب والولايات المتحدة، فترفض التسليم بأرجحيته.

الصدى الدولي لاتساع الاعتراض على هذا النفوذ، يأخذ حجماً أكبر بفعل رفض الدول العربية ولا سيما الخليجية، أي مقايضة أميركية للاتفاق على النووي بالتساهل في نفوذها الإقليمي. بل هو أكثر من الرفض ويرقى إلى غضبٍ من تحويل لبنان إلى منصة للعمل ضدها. والغضب العربي من إمساك الحزب بمقاليد السلطة في البلد مقبل على تحوّلٍ في اتجاه العودة التدريجية إلى الاهتمام بالأزمة اللبنانية بدل الانكفاء عنها أو اليأس من إمكان تغيير موازين القوى التي تتحكم بالمعادلة الراهنة في البلد.

غياب الأجوبة الحاسمة عن انعكاسات التغييرات على الصعيد الدولي، في داخل لبنان، والتي قد يأخذ تبلورها وقتاً طويلاً، من الطبيعي أن يقلق الحزب فيسعى بكل الأساليب والوسائل إلى الاحتفاظ بتفوقه داخل المؤسسات الدستورية بدءاً بالمجلس النيابي.

وإذا كان الأمين العام للحزب حرص على نفي طموحه بالحصول على أكثرية الثلثين في البرلمان، معتبراً أن ما يقال في هذا المجال هو «للتحريض» على الحزب من قبل خصومه، فلأنه بات يدرك كم أن انتفاخ دوره وتنامي تأثيره بقوة السلاح، ومصادرته قرار الرئاسة الأولى عن طريق فرضه العماد ميشال عون رئيساً في العام 2016، صار موضوع نقمة لبنانية عارمة، ومعارضة دولية واسعة ورفض عربي حاسم. وفضلاً عن أن نفي نصرالله واقعي في انتظار فتح صناديق الاقتراع في 15 أيار المقبل، فإنه ليس صادراً عنه من باب التواضع، بل لأنه يستبطن تحديد طموحه بالحصول مع حلفائه، على الأكثرية المطلقة أي النصف زائداً واحداً (65 نائباً) لتكون له الكلمة المؤثرة في انتخاب رئيس الجمهورية المقبل، لأنه قد يتعذر عليه هذه المرة أن يطيل عملية تعطيل الانتخابات الرئاسية عبر الثلث المعطل. فهذا سيحمّله مرة أخرى مسؤولية السيناريو الذي أخذ البلد نحو الهاوية، بسبب استخدامه السلاح والفراغ في السلطة، تارة في الرئاسة وأخرى في الحكومة، في السنوات العشرين الماضية. والأكثرية المطلقة قد تسهّل عليه فرض شروطه في تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، التي يرجح ألا تأتي هذه المرة من اختصاصيين بل من الكتل النيابية التي ستتحمل مسؤولية الإصلاحات المطلوبة بإلحاح من صندوق النقد الدولي، تنفيذاً للاتفاق المبدئي معه.

رغم تأكيد قادة الحزب أن حصول خصومه على الأكثرية لا تأثير له لأن ما من فريق يمكنه أن يحكم بمفرده في لبنان، ليس غريباً أن يسعى الحزب للاحتياط حيال التبدلات المحتملة للرياح الدولية والإقليمية المفتوحة على احتمالات شتى، ومنها، اضطرار إيران للمساومات ولترك بعض أدواتها التي دعمتها على مدى أربعة عقود، تقلّع شوكها بأيديها إزاء اشتداد الضغوط عليها.


MISS 3