هند مطر

مدينة خارجيّة وأخرى داخل المسرح ومُخرج يُشاهد الإثنتين من خلال "نضال وفؤاد"

27 نيسان 2022

02 : 01

المخرج عمر نعيم في الكواليس

أحبت المدينة باكراً. حوّلت نزواتها وجموحها قضيّتها التي دافعت عنها بشراسة تُتقنها وتصقلها بهذه المحبة التي يُحكى عنها الكثير.

شيء ما في روائح أحاديثها وحكايات ناسها وإنهماكهم في البحث عن رزقة اليوم، جعل سيّدة المسرح، نضال الأشقر، تشعر وكأن مُدن العالم لن تستطيع أن ترقى إلى مستوى جمال بيروت. "شو ما صرلها بيروت، بتضلّ أحلى مدينة"، تقول بأسلوبها الدراماتيكي، في دردشة صباحيّة معها عبر الهاتف على هامش الشريط الوثائقي "مدينتان" الذي عُرض في نهاية الأسبوع على "مسرح المدينة".

وهذا العمل الأقرب إلى رواية قصيرة تستريح على الشاعريّة وروح الفكاهة والكثير من الحزن الجميل، من توقيع عمر، نجل الأشقر وزوجها المخرج والفنان التشكيلي، فؤاد نعيم.

ووقع عمر في حُب المدينة الخليلة، على الرغم من إنتقاله باكراً إلى الولايات المتحدة حيث تخصّص في الإخراج السينمائي، بفضل "نضال وفؤاد" وإصرارهما على نقل هذا العشق الذي يكنّانه للمدينة الغائرة بالتناقضات والجنون وأصوات الباعة وهم يُحوّلون خوفهم من تقلبات القدر، لحناً يعزفون من خلاله ما تبقى من أحلامهم الضائعة، للشاب الذي اختار الإخراج لغته.

وأطل الشريط ضمن الحفلات الرمضانيّة التي تتتالى في هذه الفسحة التي أسستها الأشقر في العام 1993 رغبةً منها في أن تُعيد إلى التاريخ بنظرته العاتبة، فرصة محوريّة ليروي قصصه الصغيرة، وقصص هؤلاء العمالقة الذين حوّلوا العاصمة الجريحة، حكاية خياليّة لم تتمكّن الأيام من أن تسلبها وعود اللقاء الأول.

وطلبت الأشقر من نجلها في العام 2016، إثر زيارة له إلى البلد، أن يوثّق إحتفاليّة مُخصّصة لذكرى مرور 20 سنة على تأسيس المسرح، استمرت من 14 تشرين الأول من تلك السنة وحتى 26 منه.

فإذا بالشريط يتحوّل قصيدة مرئيّة تروي قصّة حب كبيرة لمدينتين تعيشان حياة متوازية لا علاقة للواحدة بالأخرى.

فالمدينة الخارجيّة تعيش الفوضى والصراعات السياسيّة والدمار والإهمال. والمدينة الداخليّة التي هي في الواقع "مدينة نضال"، تتجسّد بمسرح المدينة، وتُهدهد انكسارها من خلال الثقافة والخلق، وهذا الإصرار على التمسّك بشرارة الفرح الهاربة. وأجرى عمر مقابلات في المدينتين ليفهم أكثر قصّة بيروت، وفي الوقت عينه ليتوغّل في حنايا قصّة "نضال" مع المسرح الذي أعارته شرايينها.


سيدة المسرح تروي نضالها لنجلها



وأدخلنا المخرج إلى كواليس المسرح حيث كان والده، فؤاد نعيم يقوم بإخراج مسرحية "الملك يموت" للكاتب أوجين يونيسكو، وأيضاً إلى التمارين على مسرحية "مش من زمان" التي تروي من خلالها والدته، نضال، قصّة حياتها بأسلوب مُريح يمزج ما بين الموسيقى وأسلوب الحكواتي.

وسردت "الست نضال" لنجلها في الشريط قصّة المسرح والتحديات التي واجهتها وما زالت تواجهها للحفاظ على صرح تُريده أن يبقى الملاذ الآمن للعاملين فيه، "حتى بعد ما موت". كما روت لعمر وللمُشاهد، نوادر يجب التمسّك بها، عن بيروت وأهم الأحداث التي هزّت العاصمة ثقافياً وتلك التي تنتمي إلى فصول مأخوذة من "كتاب المسرح".

لـ"نداء الوطن" تؤكد الأشقر، "بحب المدينة. هذه المدينة التي أسستُ فيها المسرح. المسرح لا يمكنه أن يحيا إلا في المدينة. أحب أهل بيروت. كيف ما كنت إمشي فيها، بسلّم على عالم. هذا الذي أعرفه. وذاك الذي أعرف والده. وتلك التي يعرف والدي جدها".

تضيف، "تأثرتُ كثيراً عندما شاهدتُ الشريط للمرة الأولى. سحرتني أجواء العمل. بطبيعة الحال نسيتُ كلياً كل ما قلته لعمر خلال المقابلات التي أجراها معي للشريط. ولكنني تأثرتُ لأن الوثائقي يُسلّط الضوء بطريقة أو بأخرى على دخول عمر المدينة من خلال والديه. عمر غادر لبنان باكراً. كان في الـ17 من عمره عندما التحق بجامعة (أميرسون) العريقة في بوسطن ليتخصص في الإخراج السينمائي".

والفيلم الذي أنجزه ليحصل على شهادته، حمل عنوان، "التياترو الكبير" وهو"من أقدم المسارح في العالم العربي. زارته أم كلثوم وعبد الوهاب". ومن هذا المُنطلق، فإن عمر مفتون بمدينة هجرها باكراً ولكنه وجد نفسه يعود إليها مراراً ليفهم جنونها وعظمتها.

وفي ما يتعلق بـ"مدينتان"، تروي، "من زمان كان جايي ع بالي أعمل فيلم عن المسرح. شريط وثائقي نحتفظ به في أرشيفنا". فكانت الفرصة مؤاتية في العام 2016، عندما أقيمت الإحتفاليّة في مسرح المدينة طوال أيام، وعُرضت فيها عشرات الأعمال المسرحيّة والموسيقيّة، "وتمكن عمر من أن يُنجز المقابلات داخل المسرح وخارجه. وصحيح أن سنوات مرّت على تصوير الشريط بيد أن لا شيء تغيّر في المدينة الخارجيّة. ولهذا السبب كان للعمل هذا التأثير الكبير على الجمهور وعلي أيضاً. مشاهد مُضحكة، وأخرى حميميّة، ومشاهد حزينة لا سيما تلك التي تُظهر البحر الملوّث، والنفايات في كل مكان في الشوارع. وكأننا نعيش كوابيس مُستمرة. لا نعرف كيف نخرج منها. مدينة تعيش الرعب. ومدينة داخل المسرح تحتفل بالإبداع بنظام وانضباط".

المدينة القائمة داخل المسرح، "هي في الواقع التجسيد الإسمى للبلد الذي نحلم فيه. البلد المنظّم والمُسيّج بالثقافة. لا يُشبه الحالة (التعبانة) في الخارج".

الأشقر ترى أن "من المستحيل أن يحيا المسرح وسط الفوضى. الفوضى تجلب الإحتقار".

كواليس شريط "مدينتان" كانت بحسب الأشقر مرحة، وعفوية، "التصوير كان عفويّ الطلّة. عمر مرتاح معي ومع والده. نحن في العائلة أصدقاء. شجعناه أنا وفؤاد على أن يتخصص في الإخراج. علاقتنا في العائلة خاصة وحميميّة. وفي الفيلم تظهر عناصر هذه العلاقة المُتميّزة. عمر صوّر بيروت من خلال عيني فؤاد ونضال". وعُرض الشريط للمرة الأولى، بمناسبة اليوم العالمي للمسرح في 30 آذار المنصرم، وبعدما تم تأجيله مراراً خلال الأعوام الـ3 الماضية، بفعل الأزمات المُتكررة التي يعيشها البلد، وتبنته أخيراً محطة : "بي بي سي".

تُجدر الإشارة إلى أن الشريط يطل في عرض إضافي الخميس 28 الجاري على مسرح المدينة. تُباع البطاقات في المسرح. ويبدأ العرض في التاسعة مساءً.


MISS 3