منير يونس

أجندات ضيّقة لا تمتّ بصلة للإصلاح المنشود والإنقاذ الموعود

10 عناوين إقتصادية مالية تفجّر الأكثرية النيابية الموهومة

16 أيار 2022

02 : 00

هل يعلم الناخب ماذا ينتظره من رسوم وضرائب جديدة؟

يوم 16 أيار يشبه ما قبله على الصعيد الاقتصادي، مهما كانت نتائج الانتخابات. فالأزمة مستمرة والخسائر تتفاقم يومياً، ولا قاع بعد للأزمة.

والأهم من يعتقد أن شيئاً سريعاً جوهرياً سيتغير بين ليلة وضحاها ربطاً بمن فاز بالاكثرية النيابية. فبين أفرقاء التحالفات المزعومة أكثر من عنوان "إصلاحي" خلافي حتى الانقسام الحاد أفقياً وعمودياً.

يبدو أن الأزمة اللبنانية لا تعترف بالأكثريات السياسية غير القابلة للصرف في مشروع اقتصادي اصلاحي واحد. فحكومة حسان دياب فجّرها أهلها، وحكومة نجيب ميقاتي عاشت مشلولة رغم اعلان اتفاق تفاهم انقاذي مبدئي مع صندوق النقد الدولي.

وفي السياق يمكن ذكر 10 عناوين لا اتفاق حولها لا من قريب أو بعيد بين من خاضوا الانتخابات متحالفين، وسيتفرقون بعدها وفقاً لأجنداتهم الخاصة الضيقة بعيداً من أي اصلاح منشود أو انقاذ موعود.

مناهبة جديدة في الأفق بذريعة رد الودائع لأصحابها

أولاً، ورد في ورقة التفاهم مع صندوق النقد أن الودائع حتى 100 الف دولار مضمونة، والباقي إما يشطب أو يتحول الى الى أسهم في بنوك (مفلسة).

رحبت الترويكا الرئاسية بالاتفاق، ثم تنصل رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما كرر شعبوية شعار "الودائع... كل الودائع مقدسة". وكذلك فعل حليفه "حزب الله" الذي ذهب نوابه بعيداً باقتراح قانون يضمن تلك "القدسية". الاثنان لم يقولا لنا كيف سترد الودائع لأصحابها، متجاهلين أن قيمتها تزيد على 100 مليار دولار. فعلى الطريقة المعتمدة منذ أكثر من سنتين سيحتاج الأمر الى جيل أو جيلين من المعاناة الشديدة والبؤس المفجع من دون تحقيق الهدف المنشود. أما اذا كانت الأعين على أصول الدولة، فلا فرق في هذا الميدان بين معظم الأطراف السياسية التقليدية المهيمنة على مقدرات البلاد والممسكة برقاب العباد. أما اذا اتفق جميع الأطراف حول هذا العنوان الخطير، ففي الأمر مشكلة عويصة لا محالة. ستتعارض المصالح وتتضارب في مناهبة طائفية وسياسية وزبائنية كما حصل في تبديد مئات المليارات منذ التسعينات الى اليوم. والأنكى أن التصرف بأصول الدولة تحت عنوان رد الودائع لاصحابها يعني تصفية الدولة بكل بساطة اذا بقي النافذون أنفسهم في سدة القرار "المخطوف".

خلاف ذلك، يمكن انشاء صندوق سيادي لأصول الدولة بادارة دولية محترفة متخصصة في تثمير الأصول وتنمية الإيرادات منها لزوم الميزانية العامة ورد الحقوق لأصحابها، رغم أن ذلك لا يستوي مطلقاً من دون محاسبة المتسببين بضياع تلك الحقوق.

رياض سلامة يفعل ما يحلو له في جمهورية الموز



ثانياً، كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ضمن الفريق اللبناني المفاوض مع الصندوق. فاذا به يفاجئ الجميع قبل أيام قليلة، بمضمون مخالف تماماً لما اتفق عليه لجهة اصراره، بشكل غير مباشر، على امكان ليلرة الودائع... كل الودائع. جاء ذلك في كتاب موجه الى جمعية المصارف تجاهل فيه ما ورد في الورقة الحكومية الشارحة لمندرجات الاتفاق لا سيما شطب 60 مليار دولار من خسائر البنك المركزي. انه لا يريد منة من أحد، لا يعتبر نفسه خاسراً. يعترف بكامل حقوق المصارف المودعة لديه لكن بالليرة إذا أراد، وهنا الحديث عن نحو 86 مليار دولار، أما كيف ومتى سترد الحقوق، فالأمر في علم الغيب ودونه ليلرة هستيرية تدخل البلاد في حالة فنزويلية لا خروج منها بعشرات السنوات. رغم ذلك، هو غير عابئ بكل التحذيرات، يفعل ما يحلو له في جمهورية متشظية على نفسها، القرار فيها يطبخ كما لو كنا في جمهورية موز.

لعبة الكراسي الموسيقية... لا بد من التضحية بأحدهم

ثالثاً، سارعت المصارف يوم الاتفاق مع الصندوق الى الترحيب به، واثنت على جهود الحكومة الاصلاحية. ثم بعد أقل من اسبوعين انقلب موقفها رأساً على عقب، وهددت برفع دعاوى ضد الدولة ومصرف لبنان. ما الذي تغير في اسبوعين؟ لا شيء يذكر سوى ان المصارف شعرت أن تغطيتها من مصرف لبنان تتلاشى، وأن سياسيين قد يضحون ببنوك ضمن عدة شغل بقائهم في السلطة. أجل، ساعة الحقيقة تقترب، فلعبة الكراسي الموسيقية تقضي ببقاء أحدهم واقفاً لا يلوي على شيء فيما آخر يتربع على كل شيء. لعبة الاقصاء هذه تبقى ضمن موازين قوى لا تعترف بتحديد المسؤوليات ولا بالتوزيع العادل للخسائر. جل همها تجاوز المرحلة بلا أي مساءلة حقيقية.



شعارات ونقيضها في "ثنائي" همّه التعمية أولاً... وأخيراً



رابعاً، لم يأت الاتفاق مع الصندوق على ذكر اقرار قانون لضبط السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول) الا في سطر متأخر من الشروط المسبقة. وربط ذلك بتوحيد أسعار الصرف. في المقابل اصرت حكومة ميقاتي على تمرير القانون في البرلمان كأولوية، مستعينة بقبول رئيس مجلس النواب وحركته "أمل" وحلفاء آخرين، لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر عشية الانتخابات. إذ عارضت كتل نيابية وازنة مشروع القانون بذريعة عدم حفظه حقوق المودعين وحمايته للمصارف من الدعاوى المرفوعة، والتي سترفع، عليها. المفارقة في هذا الاطار ان من كان مع تمرير "الكابيتال كونترول" هو نفسه المتحدث عن قدسية الودائع، لا سيما "حزب الله" وحركة أمل وآخرين أقل وزناً من الاثنين: يريدان جمع المجد الزائف من اطرافه، غير عابئين بمن يسأل عن التناقض في مواقفهما.

يمحضون القطاع المصرفي بعداً طائفياً متفجراً هو الآخر

خامساً، المعركة الأخرى المقبلة متصلة بشرط أساسي في الاتفاق، ينص على اعادة هيكلة القطاع المصرفي بتمهيد من الورقة الحكومية القاضية بشطب كامل رساميل البنوك، واجراء تدقيق في أكبر 14 مصرفاً لمعرفة من يستطيع الاستمرار وكيف، ومن تجب تصفيته ولماذا. هذه المعركة ستكشف مدى عمق ومتانة الروابط السياسية والمصرفية وتشابك المصالح غير السوية بين النافذين والأوليغارشية. للمثال: اذا تقرر بعد التدقيق تصفية مصارف ، لها نفوذ أو موقع في روابط المنظومة ، كيف سيصرف ذلك في توازنات المصالح وما جوائز الترضية، وبأي ثمن؟ ولا ننسى البعد الطائفي الممحوض للقطاع المصرفي من حيث الملكية والأهمية النظامية. أما المضحك المبكي، فهو حديث تغير الملكيات (طائفياً) عندما تتحول ودائع الى مساهمات في البنوك.

السرية المصرفية في خدمة فساد السكين والبطيخ

سادساً، ينص الاتفاق ايضاً على تعديل قانون السرية المصرفية والتحقيق في الجرائم المالية، وصولاً الى استرداد الاصول ( المنهوبة). هذا البند حارق خارق متفجر اذا طبق بحذافيره. فمن شأنه الكشف عن فاسدين متصلين بالسلطة والدولة العميقة المستحوذ عليها من زعماء الفساد والسكين والبطيخ. وكان مسؤولون في وزارة الخزانة الأميركية اشاروا قبل عدة أشهر الى تضارب مصالح وخرق للنظام المصرفي من سياسيين. وكذلك فعل تقرير صادر عن الأمم المتحدة الاسبوع الماضي في معرض تناوله للفقر وانتهاك حقوق الانسان في لبنان، وكيف يستحوذ، أو يخرق سياسيون مصارف. وكيف يحصل التهرب الضريبي والتغطية على ثروات القلة الأوليغارشية النافذة .

بند رفع السرية المصرفية والتحقيق في الجرائم المالية هو لب الموضوع اذا اردنا عدم تكرار ما حصل. لكن هذا البند يمر مرور الكرام عند معظم الاحزاب المتصارعة على شعارات وقشور شعبوية من دون الخوص عميقاً في سبب رئيسي من اسباب الأزمة، هو عبارة عن صندوق "باندورا" فضائحي لا يبقي ولا يذر.



معارضة تغيير حاكمية مصرف لبنان في عهد عون

سابعاً، من الملفات العالقة بين اطراف الفريق السياسي المتحالف في الانتخابات، وبين هذا الفريق ومن يناهضه، ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملاحق قضائياً في لبنان وعدة دول أوروبية بشبهات اختلاس وتبييض أموال. مقرب من الحاكم يؤكد أنه باق حتى آخر يوم في ولايته، كما أعلن الوزير السابق سليمان فرنجية في مقابلة تلفزيونية ان لا تغيير للحاكم في عهد الرئيس ميشال عون، ويوافقه في ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري، مقابل حماسة سياسية لدى التيار العوني للتغيير قبل نهاية ولاية عون. وبنتيجة هذا الصراع يتأخر التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، تدقيق أقر مبدأه قبل سنتين في حكومة حسان دياب، والى الآن لا نتيجة تذكر. أما صندوق النقد فيطلب تدقيقاً (ليس جنائياً) للوقوف على حقيقة خسائر مصرف لبنان، وما بقي لديه من احتياطي عملات اجنبية. هذا التدقيق، اذا أجري وفقاً للمعايير المحاسبية الدولية، سيعري حتماً كل "الروايات" التي يسوقها حاكم مصرف لبنان منذ سنوات، وصنف بموجبها الخسائر المتراكمة بعشرات المليارات في بند "موجودات أخرى".

طرف سيستخدم سلاح سعر صرف الدولار ضد خصمه

ثامناً، هناك استحقاق سعر صرف الليرة المدعوم من مصرف لبنان ارضاء للسياسيين في الاشهر الماضية التي كانت تجري فيها تحضيرات الانتخابات، لتعود المنظومة اياها الى سدة السلطة من دون وجع رأس آت من تقلبات لا بل انهيار لسعر صرف العملة الوطنية. وجزء من ذلك الدعم كان يصرف من الاحتياطي الالزامي ، أي مما تبقى من حقوق للمودعين. فهل سيستمر رياض سلامة في هدر دولارات لدعم الليرة، أم سيتخلى تدريجياً ليرتفع صرف الدولار مع ما لذلك من تداعيات على القدرة الشرائية لاصحاب الرواتب والمداخيل بالليرة، والتضخم الآكل لما تبقى من تلك القدرة الشرائية الضحلة؟

وفي هذا الاطار، لا يمكن فصل مسار اسعار الصرف عن المعركة الرئاسية المقبلة، ومن سيضغط بهذا الاتجاه او ذاك لتوظيف ما تبقى من دولارات في مشروعه للاستحقاق الرئاسي.

رد الإجر للناخبين.. مقابل إصبع البصم في الانتخابات



تاسعاً، لا يمكن نسيان استحقاق اقرار موازنة 2022 مع ما تتضمنه من تغيير في سعر صرف الدولار الجمركى لناحية الرفع التدرجي، وصولاً الى سعر المنصة عند 20 الف ليرة أو أكثر قليلاً. وسينعكس ذلك على اسواق الاستهلاك اذا قرر المستوردون رفع الاسعار. وهناك أيضاً رفع عدد من الرسوم المالية والعقارية وتعرفات الاتصالات ثم الكهرباء. هذه هي مكافأة الناخبين ورد "الإجر" لهم مقابل اصبع البصم في الانتخابات.

خبط عشواء بلا خطة إقتصادية ولا من يحزنون



عاشراً، ما سبق يستعرض عناوين وبنوداً واردة في الاتفاق مع صندوق النقد، لكن أين هي الخطة الاقتصادية الكاملة والشاملة؟ فما يطلب من تضحيات ينقصه كيفية اقناع الناس بالتضحية مقابل اي نمو اقتصادي واي فرص عمل، واي نموذج اعمال لا يكرر البونزي سكيم (المخطط الاحتيالي). والأغرب، ان الثابت حتى الآن هو ان معظم الأفرقاء يستمرون في التعويل على القروض الخارجية ويسعون بقوة اليها، ويضعون دائما في حساباتهم تحويلات المغتربين، ويراهنون على تطورات اقليمية ودولية تسمح بعودة تدفق الأموال والسياح الى لبنان... بكلام آخر: الجميع متفق على بقاء لبنان منكشفاً على الخارج من دون عناء بناء اقتصاد حقيقي منتج يمول نفسه بنفسه... وهنا مكمن خطورة الآتي المنسوخ من كل فداحة الماضي.


MISS 3