نشاطك الدماغيّ يؤثّر على شيخوختك ومدّة حياتك!

02 : 18

للمرة الأولى، يثبت العلماء أن النشاط الدماغي يؤثر على مدة حياة الناس. في دراستهم الجديدة، تبيّن أن النشاط العصبي يزيد تزامناً مع تراجع مدة الحياة والعكس صحيح.

ذكر باحثون من كلية الطب في جامعة "هارفارد"، بوسطن، في تقريرهم الجديد في مجلة "الطبيعة" أنهم اكتشفوا بصمة مختلفة عن متوسط عمر البشر في الجينات المرتبطة بالقشرة الدماغية.

كانت تلك البصمة عبارة عن نمط من التعبير الجيني الذي يترافق مع تعطيل الجينات المرتبطة بالإثارة العصبية ووظيفة نقاط الاشتباك العصبي.

يتعلق النشاط العصبي بكمية الإشارات في الدماغ (تكون على شكل تيارات كهربائية وأجهزة إرسال أخرى). قد يتخذ النشاط العصبي المفرط أشكالاً متنوعة، منها التشنج العضلي أو تغيّر المزاج.

لإجراء الدراسة، أطلق الباحثون تجارب خلوية وجينية وجزيئية على الديدان، وحللوا أيضاً مجموعة فئران لديها جينات مُعدّلة، وفحصوا أنسجة دماغية من أشخاص كانوا فوق عمر المئة حين ماتوا.

كشفت هذه الاختبارات أن تغيّر النشاط العصبي قد يؤثر على مدة الحياة، حتى أنها قدّمت أدلة على العمليات الجزيئية الناشطة في هذا المجال.

يقول المشرف الرئيس على الدراسة، بروس يانكنر، أستاذ في علم الوراثة والأعصاب في جامعة "هارفارد": "يتعلق جانب بارز من نتائجنا بقدرة ظاهرة عابرة مثل نشاط الدوائر العصبية على إعطاء عواقب واسعة النطاق على مستوى المعطيات الفيزيولوجية ومدة الحياة".

يعرف العلماء منذ فترة أن النشاط العصبي يؤثر على مجموعة من الحالات، مثل الصرع والخرف. كذلك، كشفت دراسات على الحيوانات أثره على الشيخوخة، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان ذلك التأثير يطاول البشر أيضاً.

من المعروف أن الإشارات التي تطلقها هرمونات الأنسولين وعامل النمو الشبيه بالأنسولين تنعكس على مدة الحياة من الناحية الجزيئية. يظن العلماء أيضاً أن عملية حصر السعرات الحرارية تنشط بدورها في هذا المسار من الإشارات.

تكشف النتائج الجديدة الآن أن الإثارة العصبية تؤثر بدورها على مدة الحياة على طول مسار إشارات الأنسولين وعامل النمو الشبيه بالأنسولين. يكمن الجواب في "عامل إسكات النسخ".

تكون عوامل النسخ عبارة عن بروتينات لتشغيل الجينات أو تعطيلها، ما يعني أنها تتحكم بالتعبير الجيني. بهذه الطريقة، قد يعطي تسلسل الجينات نفسها آثاراً مختلفة في الخلايا، بحسب نوع الجينات الناشطة أو المُعطّلة.

بفضل عوامل النسخ وقدرتها على التحكم بالتعبير الجيني، تحمل خلايا البشر وكائنات متقدمة أخرى هذا المخزون الهائل من التفاعلات الجينية مع بيئتها.

أثبت يانكنر وفريقه في بحث سابق أن "عامل إسكات النسخ" يسهم في حماية الدماغ من الآثار العصيبة التي تسيء إلى الخلايا العصبية، كتلك التي تُسبب الخرف.

وفي الدراسة الجديدة، اكتشف الباحثون أن ذلك العامل يقمع أيضاً النشاط العصبي في نماذج حيوانية تتراوح بين الديدان والثدييات. يبدو أن عامل النسخ يقمع الجينات التي تؤدي دوراً محورياً في الإثارة العصبية.

تسيطر تلك الجينات على القنوات الأيونية ومستقبلات الإشارات الكيماوية والعناصر التي تتألف منها نقاط الاشتباك العصبي (إنها الهياكل التي تسمح للخلايا بتمرير الرسائل في ما بينها).

أجرى الباحثون اختبارات أعاقوا فيها "عامل إسكات النسخ" (أو "عامل النسخ المكافئ") في نماذج حيوانية متنوعة. لم تكن هذه الاختبارات كفيلة بتكثيف النشاط العصبي فحسب، بل إنها قصّرت مدة حياة الحيوانات أيضاً.

في المقابل، أعطى تعزيز مستويات "عامل إسكات النسخ" أثراً معاكساً، فتراجع النشاط العصبي وطالت مدة الحياة.

كذلك، رصدت اختبارات على خلايا مأخوذة من تشريح النسيج الدماغي البشري ارتفاعاً بارزاً في مستويات "عامل إسكات النسخ" في نواة أدمغة من عاشوا فوق عمر المئة، مقارنةً بمن عاشوا لمدة أقصر بعشرين أو ثلاثين سنة.

نتيجة تراجع النشاط العصبي، تنشط مجموعة أخرى من البروتينات: إنها عوامل النسخ التي تؤثر على مدة الحياة عن طريق مسار إشارات الأنسولين وعامل النمو الشبيه بالأنسولين في كائنات متعددة. ربما تكمن عوامل جينية وبيئية وراء تقلبات النشاط العصبي لدى البشر.

تُضاف النتائج الجديدة إلى استنتاجات سابقة حول دور "عامل إسكات النسخ" في اضطرابات دماغية مثل الخرف، ويُفترض أن تُشجع على تطوير أدوية تستهدف البروتين الناشط برأي يانكنر وفريقه.

لكن يلفت يانكنر في الوقت نفسه إلى أن الدراسة الأخيرة لم توضح تأثير شخصية الفرد أو تفكيره أو سلوكه على مدة حياته: "يتعلق مجال بحثي مثير للاهتمام مستقبلاً بمدى ارتباط تلك النتائج بوظائف دماغية بشرية عالية المستوى".


MISS 3