جاد حداد

The High Note... عالم الفن تحت المجهر

20 أيار 2022

02 : 00

يتّسم فيلم The High Note (الملاحظة العالية) للمخرجة نيشا غاناترا بقصة جاذبة لكنه يقع ضحية الأحداث المتوقعة. يكاد الفيلم يطرح محادثات عميقة حول مكانة المرأة في عالم الموسيقى، لكن تبقى هذه الملاحظات سطحية وعابرة في نهاية المطاف ولا تعطي الأثر المنشود.

في التفاصيل، تعمل "ماغي" (داكوتا جونسون) ليلاً نهاراً لتحقيق نزوات المغنية الأسطورية "غرايس ديفيد" (ترايسي إيليس روس). وبعيداً عن دورها المحوري كمساعِدة شخصية، تحلم "ماغي" أيضاً بالتحول إلى مُنتِجة موسيقية، حتى أنها لا تتردد في طرح أفكارها الخاصة حول الخطوات التي يُفترض أن تتخذها ربّة عملها في مسيرتها الفنية. لكنّ خططها الطموحة تزعج البعض في محيط "غرايس"، بما في ذلك مدير أعمالها "جاك" (آيس كوب) ومدبّرة المنزل المملة "غيل" (جون ديان رافاييل)، ومع ذلك لا شيء يستطيع إيقافها. تتعامل "ماغي" مع مغنٍّ جديد وواعد اسمه "ديفيد" (كيلفن هاريسون جونيور)، فيصبح عميلها الثاني وتريد من خلاله أن تثبت أنها تتمتع بالمؤهلات اللازمة لتحويله إلى نجم حقيقي. لكن لا يمكن تحقيق أي هدف بسهولة في عالم الفن.

تخوض كاتبة السيناريو فلورا غريسون أول تجربة لها عبر هذا الفيلم، لكن تبدو الحوارات التي تقدّمها أشبه بمسودة مناسبة لعمل درامي خفيف. تحمل "ماغي" مثلاً قناعة مثالية أكثر من اللزوم مفادها أنها قادرة على إحراز التقدم الذي تطمح إليه عبر الاجتهاد في العمل وتقاسم رأيها مع الآخرين بصفتها مساعِدة المغنّية الشهيرة. إنها فكرة غير مقنعة بالنسبة إلى امرأة تعمل كمساعِدة منذ سنوات. على صعيد آخر، من المؤسف ألا تتعمق قصة غريسون في مواضيع مثل الانتماء العرقي والعمر، مع أن هذين العاملَين هما من أبرز العوائق التي تقف في طريق نساء مثل "غرايس". كان يُفترض أن يسلّط العمل الضوء على مشاعر "غرايس" أيضاً بدل الاكتفاء بعبارة قصيرة عن هذا الموضوع. لكن من الأسهل على الأرجح أن تتجاوز الشخصية الرئيسية مشاعرها بدل خوض محادثات مؤلمة وضرورية مع امرأة طموحة وأصغر سناً لا تزال مقتنعة بأن عالم الفن مبني على الجدارة.

تقدّم ترايسي روس أداءً مقنعاً، وهو أمر متوقع منها. تكون ردود أفعالها وتعابيرها كافية لتجسيد تفاصيل شخصيتها من دون الحاجة إلى تفسير إضافي. حين تواجهها "ماغي" بعد لقاء كارثي مع المنتجين، تنظر إليها "غرايس" بطريقة غاضبة وكأنها تقول لها: "أعرف جيداً ما ستقولينه ولا أريد التكلم بالموضوع". تُصِرّ "ماغي" على التكلم طبعاً في هذا النوع من المواقف لأن الإصرار جزء من شخصيتها، لكن لا تفارق ملامح التعب والغضب وجه "غرايس" على مر هذا النقاش. وعندما تستنتج المغنّية أن "ماغي" لا تقوم بعملها بالشكل المناسب، تصبح فجأةً امرأة باردة ومتطلبة ومختلفة بالكامل عن الشخصية المتفهمة التي قررت في البداية إعطاء مساعِدتها أكبر فرصة في مسيرتها المهنية. تجدر الإشارة إلى أن غاناترا وغريسون وروس لا يسمحن لشخصية "غرايس" في أي لحظة بالتحول إلى نجمة بمواصفات مألوفة، بل إنها تبقى أكثر شخصية مثيرة للاهتمام حتى النهاية.

تقدّم جونسون في المقابل أداءً متفاوتاً، وربما يتعلق جزء من السبب بغياب التماسك في شخصية "ماغي". في لحظات معينة، قد تبدو قريبة من الشخصيات الحيوية التي قدّمتها الممثلة الراحلة ماري تايلور مور، لكنها تبتعد عن مواصفات دورها في لحظات أخرى ويتّضح الاختلاف في شخصيتها حين تقرر العودة إلى منزل والدها في جزيرة "كاتالينا" وعزل نفسها هناك. لا يكشف الفيلم أن "ماغي" ليست ثرية بقدر الشخصيات المحيطة بها إلا من خلال النكات التي تطلقها حول سيارتها القديمة والصدئة، فنشعر بأن صانعي العمل يحاولون بذلك تفسير السبب الذي يدفعها إلى إحراز التقدم بأي ثمن. بشكل عام، تبقى الأجواء هادئة بين جميع الشخصيات، وكأن الفيلم لا يريد مهاجمة أحد أو إحباطه. يُعتبر "ديفيد" من الشخصيات التي تبقى بعيدة عن الحبكة الأساسية رغم حضوره الساحر ودوره المرتبط بحياة البطلة العاطفية.

لكن رغم جميع الشوائب، تكثر العوامل التي يمكن الاستمتاع بها بالإضافة إلى أداء روس. تنجح غاناترا ومدير التصوير جايسون ماكورميك في إضفاء أجواء رومانسية على مشاهد تسجيل الأغاني، وهذا ما يفسّر رغبة "ماغي" في خوض هذه التجربة منذ البداية. حين تنظر بطريقة مؤثرة إلى مبنى "كابيتول ريكوردز" في لوس أنجلوس أو إلى صور فنانين عمالقة في أروقة المبنى، لا مفر من أن نشعر برغبتها الفائقة في أن تصبح جزءاً من هذا التاريخ القيّم. يكفي أن نصغي إلى الموسيقى التصويرية بإمعان كي نرصد الفرق بين الأغاني التي كانت رائجة منذ بضع سنوات والألحان الشائعة اليوم في أغاني البوب التي تقدّمها الملحّنة إيمي دوهيرتي. يتّضح هذا الاختلاف حين تحاول "ماغي" توجيه "غرايس" و"ديفيد" وإقناعهما باختيار ألحان جديدة.

أخيراً، قد تبدو قصة الحب في الفيلم ثانوية مقارنةً بالأحداث الرئيسية، ومع ذلك يدخل العمل في خانة الكوميديا الرومانسية بين امرأتَين تُكمّلان بعضهما على مستويات كثيرة. على عكس الحبكة في فيلم Working Girl (الفتاة العاملة)، حيث تحاول موظفة طموحة إزاحة ربّة عملها للاستيلاء على منصبها، تتعلم المرأتان في هذا الفيلم كيفية التعاون معاً وتتجاوزان بذلك بعض الحبكات التي باتت مألوفة ومبتذلة في الأعمال السينمائية.


MISS 3