جاد حداد

Just Mercy... العدالة وحُكم الإعدام تحت المجهر

5 تموز 2022

02 : 01

في فيلم Just Mercy (مجرّد رحمة)، يستلم الناشط «براين ستيفنسون» (مايكل ب. جوردن) قضية «والتر ماكميليان» (جايمي فوكس) ويعرضها أمام الرأي العام. حُكِم بالإعدام على «ماكميليان» بسبب جريمة يُقسِم أنه لم يرتكبها: هو متّهم بقتل شابة بيضاء البشرة. رغم استدعاء 17 شاهداً أكدوا على مكان وجوده في وقت الجريمة، تقرر هيئة محلفين مؤلفة من 11 رجلاً أبيض ورجلاً واحداً أسود البشرة إدانة «ماكميليان» بناءً على شهادة سجين سابق اسمه «رالف مايرز» (تيم بلايك نيلسون). ينقل «ستيفنسون» هذه القصة إلى شبكة «سي بي إس» بعد نجاحه في إعادة فتح قضية «ماكميليان» وقرار القاضي «روبرت لي» بتجاهل اعتراف «مايرز» بأنه كذب تحت القسم خلال المحاكمة الأولى. يسهل تصديق هذه الأحداث في الحياة الواقعية، لكن يظهر النقيب الفاسد «تايت» (مايكل هاردينغ) والمدعي العام هذه المرة بشخصيات شريرة كرتونية، فيتصرفان من تلقاء نفسَيهما بدل أن يظهرا وكأنهما يخدمان نظاماً فاسداً وأكثر عنصرية. يجب أن ينتظر المشاهدون حتى منتصف الفيلم قبل أن يكتشفوا أن «تايت» أُعيد انتخابه في مناسبات متكررة رغم فضح الدور الذي لعبه في تحريف مسار قضية «ماكميليان».

تجدر الإشارة إلى حصول هذه القضية في مدينة «مونروفيل»، ألاباما، وهي مسقط رأس الكاتبة هاربر لي، مؤلفة كتاب To Kill a Mockingbird (قتل طائر بريء). إنها ملاحظة مهمة لأن كتاب لي والأعمال السينمائية التي اقتُبِست منه لاحقاً تشكّل ركيزة أساسية لجميع القصص المألوفة التي تدخل في هذه الخانة. ليست صدفة إذاً أن يجسّد مايكل ب. جوردن في هذا الفيلم شخصية مشابهة لدور «أتيكوس فينش» في كتاب لي. وعلى غرار الممثل غريغوري بيك الذي قدّم دوراً خالداً بشخصية «فينش»، يتمتع جوردن بحضور قوي ويبرع في تقديم شخصية مثالية ومؤيدة للحق. لكن يفتقر هذا الدور إلى القوة التي جسّدها بيك، ولا يمكن لوم جوردن على هذا الخلل. يبدو «ستيفنسون» في هذا الفيلم أميركياً ساذجاً من «ديلاوير»، وهو يحاول التحايل على الأساليب المعمول بها في جنوب الولايات المتحدة. في المقابل، كان «فينش» رجلاً من ألاباما وقد اتّسم بشخصية أبوية لامعة ومميزة.

على صعيد آخر، تجسّد الممثلة بري لارسون دور زميلة «ستيفنسون»، «إيفا»، وتُكرر بذلك التعاون مع مخرج فيلمها Short Term 12 (قصير الأجل 12)، ديستن دانيال كريتون. لكن يقتصر دورها هذه المرة على تلقي التهديدات بعد إعادة فتح قضية «ماكميليان». مع ذلك، تنجح لارسون في تقديم مزايا كثيرة عبر مشهد بسيط تظهر فيه وهي تدخّن. أما شخصية «ماكميليان» التي يقدّمها جيمي فوكس، فهي مكتوبة بطريقة سطحية أيضاً، لكن يخطف هذا الممثل الأضواء في مشاهده القليلة مع زميله المحكوم بالإعدام «هيربرت ريتشاردسون» (روب مورغان). قد تكون الحبكة المرتبطة بشخصية «ريتشاردسون» العنصر الناجح الوحيد في الفيلم كله، لكن يطغى موسم الجوائز التي حصدها فوكس على أداء مورغان الممتاز والمؤثر للأسف. «ريتشاردسون» محارب قديم شارك في حرب فيتنام، وهو مصاب باضطراب إجهاد ما بعد الصدمة وتسبّب بمقتل شابة عند انفجار قنبلة كان قد وضعها في سيارتها. وعلى عكس «ماكميليان»، يكون «ريتشاردسون» مذنباً بكل وضوح وهو مقتنع بأنه يستحق الإعدام. لم يتلقَ هذا الأخير المساعدة اللازمة لمعالجة مشاكله النفسية قبل ارتكابه تلك الجريمة، لكن يخفي المدعي العام هذه المعلومة خلال محاكمته.

يقدّم مورغان دوره الصغير بطريقة جميلة وسلسة لدرجة أن يصبح الشخصية العميقة والمعقدة والواقعية الوحيدة في الفيلم. لن نقتنع بمشاعر الذنب التي تنتابه فحسب، بل سنتفهم أيضاً الشياطين التي سمّمت عقله خلال القتال في الحرب. يصعب أن ينسى أحد مشهده المريع الأخير بسبب تمثيله المتقن، وقد تكون هذه اللقطة اللحظة الوحيدة التي يشعر فيها المشاهدون بالتناقض والانزعاج حين يفكرون بطبيعة الظلم المعقدة. حبذا لو كانت بقية الأحداث بهذا المستوى من التعقيد والعمق بدل الاتكال على أفكار بسيطة ومألوفة لنقل رسالة الفيلم.


MISS 3