بشارة شربل

المطارنة الموارنة..."مرتا... مرتا"

1 تشرين الثاني 2019

02 : 00

"مرتا... مرتا، تهتمين بأمور كثيرة والمطلوب واحد".

على هذا النحو دبّج المطارنة الموارنة أول من أمس بياناً في غير موعده الشهري، أدخلوا فيه كل أنواع البلاغة والبديع والنصائح بتوخي الحكمة ليصلوا الى مبتغاهم الأساسي: "التفّوا حول رئيس الجمهورية".

شكراً لعنايتكم السادة المطارنة. لكن الثورة التي اندلعت من رحم معاناة الناس وباركها سيد بكركي تُناقض ما جاء على لسانكم. فهي، تحت شعار "كلّن يعني كلّن"، استهدفت كل المنظومة الحاكمة بما فيها سياسة الرئيس وليس شخصه بالتحديد. ونصيحتكم بالالتفاف حوله تهدف الى دعم سياسات عهده "القوي" الذي ثار عليه اللبنانيون وليس الحفاظ على موقع الرئاسة الماروني. وبالتالي فأنتم لا تتوخون سوى الالتفاف على الثورة لخنقها في المكان الذي وصلت اليه.

كان أجدى بكم ايها السادة المطارنة ان تلتزموا جوهر كلام غبطة البطريرك الراعي وتقدروا ما صرّح به شريككم في الكنيسة الرسولية المطران عودة على درج الصرح البطريركي. فكل واحد منهما، على طريقته، عبّر عن تأييده الثورة ومطالبها، وفَهِم أنها ثورة اصلاحية وطنية لا طائفية، وفيها من روح المسيح والمحبة ما يوجب تأييدها وأن تستجاب مطالبها. فكيف أجزتم لأنفسكم إصدار بيان ينقض قول الكبار فيكم؟ وكيف قبلتم بساعة تخلٍ عن نذركم بأن تكونوا شهوداً للمسيح؟

السادة المطارنة الأجلاء. لا أحد يفرض عليكم أن تكونوا مع الثورة، رغم أن تعاليم ابن الله، وأنتم أدرى بما جاء في الانجيل، تحضكم على أن تكونوا بجانب الفقراء والمعذبين في الأرض وأصحاب الحق. لكن سنقولها بالفم الملآن: لا طاعة لكم حين تتبنون خطاب سلطة جائرة وتتحولون صوتاً لنظام أفقر رعيتكم ومواطنيكم بالهدر والمحسوبية والفساد.

السادة المطارنة. بيانكم المؤسف يُخلّ بواجب الدفاع عن قيم العدل والحق والحرية رغم أنكم زيّنتموه بثوب الحكمة وختمتموه بكلام البابا فرنسيس الرائع والثائر والذي نذر الفقر على خطى الناصري، ونحن نتمنى لو يسير على هدي سيرته كل رجال الدين، وانتم أول المعنيين.

في كلامكم الملغوم دعوة الى الخروج من الطرقات خدمةً لمن باعوا الوطن بثلاثين من الفضة. وفي كلامكم الصريح دعوة لدعم الرئيس وبالتالي تيار الرئيس وحلفاء الرئيس، ما يضعكم في جانب الطبقة الفاسدة و"الثورة المضادة" اللتين تريدان القضاء على آمال الناس بالتغيير.

ببساطة ايها السادة المطارنة، لا نطالبكم الا بالعودة الى الانجيل. تذكروا قليلاً كيف حمل يسوع السوط ليطرد الفريسيين والباعة من الهيكل، ثم تذكروا كيف قاد البطريرك صفير لبنان نحو الاستقلال الثاني ولم يرضخ على مدى عهد الوصاية لا لترغيب ولا لترهيب، واستوعِبوا كيف تطورت عظات البطريرك الراعي منذ اندلاع الحراك الشعبي.

نريدكم مع ثورة الحق وليس سيفاً للظالم عليها. لا تذهبوا بعيداً في هذه المعصية. عاودوا قراءة نص "أنا ثائر" الذي كتبه مطران بيروت بولس عبد الساتر قبل أيام قليلة، ثم قوموا بفحص الضمير، لئلا نعاود التذكير بالتعبير اللاتيني "إن الثوب لا يصنع الكاهن"، ولن يصنع المطران بالتأكيد.


MISS 3