بشارة شربل

هل أنت سارق يا أبي؟

5 تشرين الثاني 2019

02 : 00

يفتحون ملفات الفساد وكأنهم سمعوا بها أو وقعت تحت أيديهم للمرة الأولى، فدهشوا وأرادوا منحنا مفاجأة سارة أو جائزة ترضية، علّها تروي عطش الناس الى محاكمة مَن تسبب بتجويعهم.

على أي حال، ممتاز. لا نريد أكثر من ذلك الآن. ولن نقول إتهموا جميع المرتكبين سواسيةً كما يقتضي العدل. بل إبدأوا من مكان ما، ولتسقط الحمايات، إذ لا فساد لوزير أو نائب أو مدير أو رجل أعمال أو مصرف إلا ووراءه شبكة كاملة شعارها "كول وطعمي" أو مافيا من كبار الزعران. أما الصغار، فهؤلاء مرتشون ليس في ذمتهم إلا الفتات.

لولا الشابات والشبان الذين نزلوا الى الشوارع لبقيتم سادرين في غيّكم، تحكمون باطمئنان وتثرون على حساب الناس وتعقدون الصفقات بلا مناقصات، ولفكَّرتم ألف مرة قبل أن تنتهكوا "مقدس" الملفات. ففيها أهلكم وأقاربكم ومن لفّ لفكم وحلفاؤكم وحلفاؤهم وكل من يمت بصلة الى السلطة التي استأثرت بمقدرات البلاد منذ ثلاثين عاماً، فشفطت المليارات في الكهرباء والاتصالات والمرفأ والمطار والفوائد المصرفية الفلكية ونهبت قوت الفقراء ثم تربعت كامرأة القيصر.

أسقط جيل الشباب الجديد هذه المحرمات. كشف هشاشتكم في غضون ساعات وأيام، وحوّلكم مشبوهين ومحكومين مع وقف التنفيذ. وهو يعلم أنه لن يستطيع استعادة الأموال المنهوبة لأنكم تعرفون كيف تهربونها الى الخارج وتوزعونها على الأقارب والأصحاب، وتضعونها في شركات "أوف شور" وجنَّات ضريبية وتشترون أسهماً يصعب اقتفاء أثرها. لكن يكفي هذا الجيل أنه أقضَّ مضاجعكم وجعل صغاركم يسألون آباءهم: من أين لنا هذا؟ أأنت سارق يا أبي؟ أم أن جدي هو الحرامي؟ جدي الذي سردت لنا مآثره كسيَر الأبطال ووجدنا في حساباته بنايات وأراضي وملايين الدولارات.

تفتحون اليوم استنسابياً بعض الملفات وكنتم قد جمعتموها لابتزاز بعضكم وليس لإحقاق الحق والاصلاح. ولأنّ القضاة المعنيين معينون من أطرافٍ أطرافها مبلّلة بالارتكابات، فلنكن واقعيين وعمليين كي نمشي الى الأمام. وليتقدم مطلب إقرار السلطة القضائية المستقلة تحت ضغط الشارع ورغم إرادة هذا البرلمان أو أي وزارة "مسخ" هي قيد المشاورات. ولتكن من الأولويات محكمة خاصة بقضايا الفساد تحتمي بالدستور وتطبق القانون فلا تقبل ضغوط رئيس أو وزير أو رجل دين. وليكن لدينا قضاة شجعان، بنصف شجاعة فتيات وفتيان هذه الانتفاضة فقط، وعندها فليبدأ فعلاً الحساب.